الشباب: "التحدّي والتحدّيات المضادّة"

مجلة "همس الحوار" الأكاديمية المحكمة"
لندن - عدد كانون الثاني / يناير 2023

Ali Harb 

Summary

When considering the all-inclusive, comprehensive and sustainable development towards societal advancement, what is conspicuous is the urgent and grave need for young people who are well qualified physically and psychologically, and educated and aware of relevant plans and programmes.

Young people can contribute to society with their characteristics, advantages and capabilities. However, they must be truly cared for and offered the appropriate education and opportunities to participate in social, economic and political activities. Given these, they can offer  the creativity and energy to enrich the lifeblood in the veins of all sectors and establishments.

Yet young people generally face huge challenges and unsurmountable obstacles that prevent  them from achieving what is expected of them. Thus societies are deprived of their positive energy. Therefore, we may expect, if these young people are denied the role of achieving their goals, the result will be a huge loss that impedes the progress of development. 

I tackle the research around the traits “challenge and resilience” that characterize youth and the obstacles that prevent them from harnessing this power. The research highlights the positive and negative aspects both on an international and Arab level. The aim is to find ways to protect the younger generation and empower them.

 

الشباب: “التحدّي” والتحدّيات المضادّة

علي منير حرب

ملخَّص البحث

عند البحث في شؤون التنمية الشاملة والمستدامة، وفي إطلاق عجلة التقدُّم في المجتمعات، تتجلّى بوضوح الحاجة الملحّة والمهمة لتوفر عنصر الشباب، السليم صحيًا ونفسيًا، والمثقّف والواعي، الذي يناط به تنفيذ الخطط والبرامج المرسومة لذلك.

الشباب في المجتمع يشكّلون الطاقة الدافعة الخلّاقة والدم المتدفّق في شرايين القطاعات والمؤسسات كما يتمتعون به من مزايا وخصائص وقدرات، لاسيَّما إذا أُحسنت تنشئتهم وتعليمهم وتمكينهم وفُتحت الفرص أمامهم للمشاركة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. 

لكنّ الشباب حول العالم يواجهون تحدّيات وعقبات كبرى تحول دون تحقيق الأدوار المنوطة بهم، وتفقد المجتمعات الإفادة من طاقاتهم الإيجابية. ويمكننا أن نتلمّس الخسائر الكبرى التي تصيب عمليات الإنماء وحركات النهوض والتقدّم في الظروف التي تعوّق هذه الفئة الشبابية عن القيام بمهامها البنائية.

حول ميزة “القوّة والتحدي” التي تتحلى بها شريحة الشباب وحول ما يعترض سبيلها من معوّقات تفرغها من إيجابيات هذه الميزة أعالج موضوع البحث، على المستويين العالمي والعربي، مستعرضًا جوانبه المضيئة والمظلمة، ومبيّنًا سبل حماية الشباب وتحصين مناعتهم. 

المقدّمة

في مقاربتي لموضوع البحث، حرصت على طرح مسألتين متعارضتين، الأولى تنوّر حول مفهوم الشباب ومزاياهم وما يتحلّون به من خصائص الطاقة الخلّاقة التي تؤهلهم للريادة في خطط البناء والتنمية، كما عرضت لاحتياجاتهم الأساسية في التنشئة والرعاية والتأهيل وفتح الأبواب والفرص أمامهم للمشاركة في مجالات الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية.

 وقد تقصّدت أن أباشر البحث، في فصله الأول، بتسليط الضوء على الوجه الآخر للصورة، لأبيّن مدى فداحة الخسائر التي تُمنى بها المجتمعات عند غياب الشباب عن المشهد البنائي، وحتى يتبلور بوضوح وجلاء الوجه الأصلي الإيجابي لأهمية ودور الشباب في مختلف القطاعات.

أما المسألة الثانية فتتناول ما تتعرّض له هذه الفئة الشبابية في العالم وفي بلادنا العربية من تحدّيات معاكِسة، تحدّ من قدراتها وتعطّل دورها وتشلّ حركتها، وتحوّلها إلى طاقة سلبية لأسباب وأغراض مختلفة. وقد خصصّت الفصل الثاني لرصد مجمل هذه التحديات والمعوّقات، وتأثيرها الكبير على تأخير أو توقّف حركة التنمية الشاملة والمستدامة المأمولة من العنصر الشبابي في المجتمع.

الفصل الأوَّل

الشَّباب: مزايا وخصائص

قراءة في خلفيات المشهد:

اعتمادًا على مبدأ التنوّع والتكامل الذي تقوم عليه الحياة بمخلوقاتها وأنواعها المختلفة، واستنادًا إلى قاعدة اكتشاف خصوصيات الهويات والثقافات الإنسانية عن طريق مقارنتها بعضها بالبعض الآخر وأنَّ “الضدّ يظهر حسنه الضد”، وبهدف عرض موضوع “الشباب القوة والتحدّي” ومناقشته بمفهومه وأبعاده وأهمّياته،

أباشر البحث بطرح أزمتين حادتين تشكّلان الوجه الأخر المناقض لوجود هذه الفئة الشبابية في المجتمعات وما يترتب على فقدانها من أخطار تهدّد مستقبل الأمم وتعطّل حركة التنمية والتقدّم فيها.

المسألة الأولى تتعلق بالنمو السكاني، والثانية بشيخوخة المجتمعات.

 في المسألة الأولى، فإنَ أحدث تقارير الأمم المتحدة في نوفمبر 2022 يشير إلى أنَّ عدد سكان العالم سيتجاوز للمرة الأولى رقم (8) مليارات نسمة. كما يتوقع هذا التقرير أنَّه في عام 2037 سيبلغ العدد (9) مليارات، وعام 2080 سيرتفع العدد إلى أكثر من (10) مليارات نسمة.

أمام هذا المدّ الجارف للتكاثر، يحذّر علماء الاجتماع والبيئة والاقتصاد من مغبّته ومن آثاره المدمّرة على الإمدادات الغذائية وعلى قدرات البنى التحتية وإمكانات البيئة الطبيعية، ومن الضغوط الديموغرافية الهائلة التي يخلّفها، ممَّا يؤدي حتمًا إلى عجز في تقديم الخدمات العامة، وتحديدًا في التعليم والصحة والأمن، وارتفاع في أسعار المواد الغذائية بسبب التهافت على طلبها وندرة وجودها، وتقلّص فرص العمل أمام طوفان التنافس عليها والحاجة إليها وقلّة العرض لها، لا سيَّما مع ما يشهده العصر وتنبؤات المستقبل من تطوّر هائل في مجال التكنولوجيا والآلة والذكاء الاصطناعي، وهذا ما سيؤدي حتمًا إلى ارتفاع في نسب التضخّم والعجز وانتشار واسع للبطالة وما تسبِّبه من فقر ويأس وإحباط وأمراض نفسية لدى فئة الشباب، وتفاقم في أعداد المهاجرين، واضطراب في الأوضاع الاجتماعية والأمنية. 

أمَّا في مسألة شيخوخة المجتمعات فإنَّ الدراسات والتقارير تؤكِّد أنَّ المجتمعات الغربية بعامَّة وبعض مجتمعات الشرق الأدنى والأوسط التي لا تعاني من تهديدات النمو السكاني سوف تشهد هي الأخرى أزمة حادة تهدّد مستقبلها نتيجة افتقارها إلى فئة الشباب المنتجة والفاعلة وتراجع مستويات المعيشة في ظل تزايد عدد الأشخاص الذين يعتمدون على الخدمات الاجتماعية بسبب زحف الشيخوخة الذي يتنامى مع تقدّم العناية الصحية والنقص في نسبة المواليد الجدد وعزوف الأجيال الشابة عن الإنجاب تحت وطأة الظروف الاقتصادية الصعبة وانتشار ظاهرة المثلية والمساكنة خارج الأطر القانونية وإطلاق حريات الإجهاض دون مبرّرات طبية.

ويتوقع ديموغرافيون “أنَّه بحلول عام 2050 سيكون عدد الأشخاص البالغة أعمارهم 60 عامًا أكبر من عدد الأطفال في العالم، وهو تحوّل فريد لم تشهده البشرية من قبل. وسيشكّل عدد كبار السن في تلك السنة ربع سكان العالم على الأقل (2.1 مليار نسمة). وإذا سارت المعدّلات كما هي فمن المتوقع أن يبلغ عدد كبار السن نحو 3.2 مليارات نسمة عام 2100، أي نحو 28.5 ٪ من عدد سكان البشرية المتوقع أن يلامس 11.2 مليار.” 1 

ولأنَّ البنية العمرية وحدها هي التي تحدّد الصحة المستقبلية للقوى العاملة فإنَّ شيخوخة المجتمع تعني “انخفاض عدد السكان في العمر الإنتاجي” مقابل ارتفاع نسب القوى “العاملة الضعيفة” الذي ينعكس على مجمل النشاط الاقتصادي، وخصوصًا في المجالات العسكرية، ويفضي إلى تحوّلات حضارية وثقافية قد تقلب المجتمعات كبيرة السن رأسًا على عقب وترسم خرائط جديدة لمناطق النفوذ في العالم.

من هذا الوجه الخلفي أدخل إلى لبّ موضوع الشباب لأسلّط الضوء على الأهمية الكبرى لوجود هذه الفئة العمرية في المجتمع وعلى دورها الأساس في ضخّ الدم الجديد لإحياء مسارات التقدم والاستقرار والاكتفاء والتوازن الاجتماعي والاقتصادي.

الشباب: مزايا وخصائص

في تعريف مفهوم الشباب، أحاول أن اتجاوز التعريفات والتقسيمات التقليدية والأممية المعتمدة لهذه الفئة السكانية، سواء منها المرتكزة على معيار العمر أو الخصائص النفسية والبيولوجية والاجتماعية أو على شروط الخضوع للمحاسبة القانونية أو المقسّمة حسب الطبقات والمناطق ومستويات التعليم والثقافة، وأعوّل على معيار أساسي واحد يشكّل، في ظنّي، تعريفًا شاملًا موحدًا للمفاهيم المتباينة كلِّها، وهو ما تتميز به هذه الشريحة الإنسانية من طاقات ومهارات واستعدادات ومن طموح ومبادرات وما تحمله من خصائص في القدرات العقلية والنفسية والجسدية تسمح لها بالاندفاع والحماس والجرأة والمغامرة وتجعل منها فعلًا القوى الإيجابية الفعّالة المنتجة والمؤثّرة التي تجسّد واقعيًا العنوان المطروح “الشباب القوة والتحدّي.” وهذا ما تفتقد بعضه أو أهمّه الشرائح الأخرى الأصغر أو الأكبر عمرًا منها.

من هذا التعريف بالذات، ينطلق علماء الاجتماع ليؤكِّدوا أنَّ مرحلة الشباب يتحدّد فيها مستقبل الإنسان المهني والعائلي بناءً على تطلعاته وطموحاته المستقبلية، تمهيدًا لحجز موقع له ضمن المجموعة يباشر منه أداء دوره فيها وفقًا لمعايير التفاعل الاجتماعي.

فالشباب إذن، ليسوا مجرد مرحلة عمرية بالمعنى البيولوجي أو الفيزيولوجي فحسب بل هم المرحلة العملية لترجمة المزايا والخصائص التي يتمتعون بها إلى أدوار تفاعلية على مختلف المستويات البنائية في المجتمع، مهما كان الاختلاف بين بعضهم، في انخفاض أو ارتفاع نسبة هذه الخصائص وكفاءتها تبعًا لظروف النشأة والتعليم والتأهيل.

إنَّ هذه الفئة السكانية الشبابية، تعدُّ حسب أوصاف الأمم المتحدة “الشريك المهم في المجتمع العالمي ويطلق عليها مسمَّى حاملي راية 2030 نظرًا للدور المحوري الذي تؤدِّيه ليس كفئة مستفيدة من إجراءات وسياسات جدول أعمال التنمية فحسب بل كشريكة في تنفيذه.” 2 

من هنا يصبح مفهوم الشباب عاملًا أساسيًا مشتركًا في كل عمليات التغيير التي تحدث وفي الرهان على مدى نجاح الخطط والبرامج المرسومة لما يُتوقّع تغييره أو تطويره وفي الحفاظ على الثروات الثقافية العالية، لغة وهوية وتراثًا، وديمومتها للأجيال المتعاقبة.  

فلذا نجد أنَّ عنصر الشباب على رأس الضرورات والشروط المطلوبة في القطاعات الإنتاجية المختلفة، الأمنية أو الرياضية أو الأحزاب السياسية أو الجمعيات المدنية والإنمائية، التي تتطلب قدرات ومهارات عالية، وسرعة في الحركة والتنفيذ، وتحمّلاً للصعاب والمشاق لإنجاز الأعمال الحرفية واليدوية، كما تحتاج دائمًا إلى رفدها بالطاقات الإنسانية المتجدّدة والهمم العالية، وتوظيفها لتحقيق أهدافها خوفًا من إصابتها بالهرم والضعف والاضمحلال. 

ولعلّ من أبرز سمات الشباب وخصائصهم، والتي يبنى عليها لتحقيق الأهداف التي ذكرناها، خاصيات التوقّد الذهني لاستقبال المعارف وتخزينها واستثمارها، والميول الاجتماعية للانتماء والتشارك، والطواعية والليونة الكبيرة للتغيّر والتشكيل، والجرأة على دخول مغامرات التجديد، والجهوزية التامة لخوض التجارب بدينامية مرتفعة، والنزعة نحو الفضول وحب الاستطلاع، والمثاليات الطوباوية التي تدفعهم للنقد والرفض والتمرّد، وعدم الاستسلام أو الانقياد للسائد من العادات، وكسر النمطيات بهدف تأكيد الذات والاستقلالية وتغيير الواقع، وتبنّي النظريات الجديدة لإعادة بنائه بما ينسجم مع  طموحاتهم وأحلامهم.

ومن خلال هذه الخصائص والسمات يمكننا أن نحدّد أدوار الشباب المهمة في مجالات ومستويات الحياة كافة، فهم يمثّلون الروح الخلّاقة التي تكوّن:

  • العقول المتفتّحة والمتحفّزة لاستقبال ما يروي عطشها للمعرفة والنمو.
  • القوة الإنتاجية والاقتصادية الرئيسة في المجتمع.
  • قوة التغيير.
  • ضمان المستقبل.   

الفصل الثاني

“التحدّي” في مواجهة التحدّيات المعاكسة

أولًا- تحدّيات عامة:

تتركّز احتياجات الشباب بعامة في توفير الصحة البدنية والنفسية والتعليم الجيد والشامل والعادل والتدريب والتأهيل الصحيحين وفرص العمل والريادة والاستقلال الاقتصادي والمشاركة في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وتعزيز الارتباط بالانتماء الثقافي المشترك.

إنَّ ضمان هذه الحاجات يعدُّ من الأولويات لخلق جيل شبابي سليم في صحته وعقله ونفسه، متعلم واع لحقوقه وواجباته، متمكّن بمهاراته وكفاءاته لخوض معاركه في الاستقرار والمساهمة في البناء والتنمية.

أما التهديد المقلق والخطير الذي يمثّل تحدّيات حرجة للشباب حول العالم فهو المتأتِّي من المصادر التالية: (سأكتفي بإيراد العناوين الرئيسة دون الدخول في تفاصيل أسباب هذه التحديّات وتداعياتها لأنَّ ذلك يتطلّب دراسة مطوّلة ليس البحث مجالها.)

  1. الظروف المناخية والبيئية الحرجة.
  2. الموجات العاتية والمتلاحقة من الأمراض والأوبئة.
  3. استفحال ظاهرة العنف والإرهاب.
  4. انتشار الحروب والنزاعات بين الدول وداخل الأوطان الواحدة.
  5. إباحة بيع المخدرات والإدمان عليها، وتفاقم حالات الانتحار وانتهاج السلوكيات الضارة.
  6. الانغماس في ظاهرة الاستهلاك.
  7. الإدمان على استخدام التكنولوجيا والألعاب الإلكترونية العنيفة ووسائل التواصل الاجتماعي.
  8. تفكّك مفهوم الأسرة، وازدياد حالات الطلاق والانفصال، وتنامي الدعوات للتحلّل من القيم الاجتماعية والأخلاقية، وانفلات الحريات الجنسية في المساكنة غير الشرعية والمثلية والإجهاض الكيفي.
  9. إباحة امتلاك الأسلحة وتزايد عمليات الاعتداءات وقتل الأبرياء في الأماكن العامة والمتاجر والمدراس والجامعات.
  10. انفجار تيار العولمة وانعكاس آثارها على مجمل مجالات الحياة ومستوياتها.
  11. غياب التشريعات العالمية لحقوق الشباب المماثلة لحقوق المرأة والأطفال.

ثانيًا- شباب العرب ومشكلاتهم

على الرغم من شيوع التحدّيات المذكورة وشمولها -بنسب متفاوتة-  في شباب العالم أجمع، فإنَّ شباب العالم العربي يعاني من أزمات ومشكلات ومعوّقات إضافية أكثر حدّة وخطورة بسبب تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في أغلب بلدانهم، وتردّي الأوضاع المعيشية، وتفشّي البطالة، وتمدّد الفساد السياسي والاقتصادي، وتجذّر القهر والاستبداد، وغياب ثقافات الحوار والمواطنة والديموقراطية، مقابل انتشار ممارسات الإلغاء والتخوين والاغتيالات، واشتعال التوترات الأمنية والصراعات المذهبية والطائفية والعرقية، ممَّا أدّى إلى انقطاع التقديمات، وانعدام توفير الاحتياجات الأساسية والخدمات العامة في التعليم والطبابة والرعاية وفرص العمل.

هذا الواقع الرديء ضاعف كثيرًا من ضغط التحدّيات على الشباب العربي وفاقم من سوء أحوالهم وأسفر عن مآس طويلة أدّت إلى:

  1. تضاعف أعداد المهاجرين واللاجئين والفارين من أوطانهم. 
  2. الاغتراب عن الثقافة المجتمعية وفقدان الهوية المشتركة.
  3. عزوف الشباب عن المشاركة في النشاطات الإنمائية والفاعليات الثقافية.
  4. ذوبان الحسّ الوطني.
  5. انخراط الشباب في الأحزاب والجمعيات المتناحرة، بسبب الإغراءات المادية وغسل أدمغتهم وزرعها بأيديولوجيات تنمّي فيهم غرائز الكراهية، ليصبحوا وقودًا ومتاريس لحروب المصالح والمراكز.
  6. انخراط الشباب في جرائم صناعات السموم المخدّرة وحبوب “الكبتاغون”، والإدمان عليها، وتصديرها إلى العالم، وبخاصة إلى البلاد العربية، باسم “بضاعة الثورة الإسلامية”، والتي تفوق أخطارها وكوارثها أعتى الأسلحة وأمضاها فتكًا وتدميرًا.  

إنَّ هذه الصعوبات والتحدّيات التي تواجه الشباب في العالم بعامة وفي العالم العربي بخاصة تؤثّر سلبًا على تمكين الشباب وجودة حياتهم وقدراتهم، وتشكل عوائق صلبة في طريقهم، وتحول بينهم وبين تأكيد حضورهم وأداء أدوارهم المطلوبة في مجتمعاتهم. وبدلًا من أن يكونوا “القوّة والتحدّي” ومولّدي الطاقة في مركبة التنمية الشاملة والمستدامة، فقد تحوّلوا إلى طاقة مهدورة أو تخريبية، تتسبّب في زعزعة الأمن والاستقرار وتحطيم دعائم التطوّر والتقدّم.

فلا تقدّم اقتصادي، ولا تنمية، ولا جيوش حامية،  ولا أحزاب وطنية نزيهة، ولا فعاليات رياضية وثقافية وتطوعيّة خدميَّة، بلا شباب.

ولا أمن ولا استقرار ولا مستقبل آمن ومشرق بلا شباب.

ولا علاجات شافية لمجمل مشكلات العالم وتخلّف بعض مجتمعاته بلا شباب.

ولا ثورات وانتفاضات تكسر قيود الظلم والاستبداد بلا شباب.

لا خلاص للعالم الإنساني إلَّا بإنصاف هذا المكوّن الشبابي الأساسي في الحياة، وتأمين حقوقه الكاملة، والامتناع عن تضليله وإفساده وتسميمه، والعمل على تقويم الانحرافات في توجهاته وعزيمته.

ولا تتمّ عملية الإنصاف إلّا بتطعيم هذه الطاقات العقلية والجسدية ورفدها بالبذور الصالحة لبناء شخصية متوازنة مستعدّة للخدمة العامة بكل شفافية وتضحية وإيثار.

ولعلّ من أبرز التربيات الشبابية السليمة التي عمّت العالم، والتي تعدُّ من الشواهد الأمينة على مستقبل الشباب، المؤسسة الكشفية الشبابية التي تحتضن الأطفال والشباب وتنمّي فيهم مبادئ النظام والمسؤولية والتعاون وحب الطبيعة والمساعدة والانخراط في الحملات الجماعية التطوعية وتدرّبهم على ممارسة القيادة النزيهة وحب المغامرة وتفتح أمامهم فرص اكتشاف ميولهم وهواياتهم من أجل العمل على ترقيتها وتطويرها.  

إنَّ الدعوات إلى تثبيت سلام العالم وازدهاره، وقيام النهضات والحضارات، لا يستقيم أبدًا مع تعميم ثقافات “الهمجية” و”التفاهة” و”العمى” و”صراع الحضارات” و”نهاية التاريخ”….3

وإَّن ما بشّرنا به المؤرِّخان “باتريك جيه بوكانن” عن “موت الغرب”، و”أوسفالد شبينغلر” عن “تدهور الحضارة الغربية”، بسبب شيخوخة المجتمعات وترهّلها وما تتخوّف منه تقارير الأمم المتحدة من الانفجار السكاني في بعض دول العالم قد يمكن تداركه وعلاجه بخطط وقوانين وإجراءات معيّنة للتوعية والحدّ من الولادات ومضاعفة استقبال المهاجرين، لكنَّ تغييب عنصر الشباب أو تفريغه من تكويناته أو استغلال طاقاته وقدراته وتسميمه بالمخدرات والإيديولوجيات والأفكار الإرهابية، فإنَّه بالتأكيد من المعضلات التي يصعب علاجها، وهي مؤشّر خطير على سقوط المدنيّات والثقافات التي لا يقوم بناؤها إلّا بسواعد الشباب الأصحّاء المثقّفين الصالحين، وليس بزجّهم في أتون الحروب وتحويلهم إلى وقود في معارك الأطماع، واستنزاف قدراتهم في بؤر الظلم والحقد والكراهية بين الشعوب. 

المراجع:

  – الأمم المتحدة، التوقعات السكانية في العالم، قسم السكان، 2015.

  – الأمم المتحدة، اليوم العالمي لمهارات الشباب، الشباب في صميم أجندة 2030.

– راجع هذه العناوين لكتب العصر: الهمجية: زمن علم بلا ثقافة، هنري ميشال – نظام التفاهة، د. آلان دونو – العمى، جوزيه ساراماغو – صدام الحضارات أو صراع الحضارات، صامويل هنتجتون – نهاية التاريخ والإنسان الأخير، فرنسيس فوكوياما – وغيرها كثير.