عندما تغيب شمس الحكمة تسرح خفافيش الغرائز

د. علي حرب

31/10/2020

كتب على أجيالنا التي تعيش عشرينيات القرن الحادي والعشرين، أن تستعيد قراءات التاريخ الأسود للإنسانية على هذه الأرض، بأبشع صورها.

قرأنا حكايات مشؤومة عن أزمنة الطوفانات والتحوّلات الجيولوجية وأوبئة الطاعون والكوليرا والقحط وظهور الإمبراطوريات واندثارها، وبروز العمالقة والفراعنة والنيرونات، لكنها كانت كلها متفرّقة وممتدة على حقبات تاريخية متشعّبة.

أما أن نعيش جميع هذه الكوارث، الطبيعية والسياسية والاقتصادية والأخلاقية والاجتماعية والنفسية، في آن واحد، ومجتمعة في فترة زمنية محدّدة، فهذا ما يثير الشكوك حول مستقبل البشرية ومصيرها!

إنه حقًا زمن كورونا التي تجتاح العالم، قديمه وحديثه، عظيمه وضعيفه! وقد لا نبالغ كثيرًا إذا ظنّنا أن عهد “الكورونات” بات يحكمنا في كل اتجاه.

كورونا تعلن للعالم أجمع: “أنا أو لا أحد على هذه الأرض”، وسوف أُبقي سيفي مسلّطًا على رقاب الإنسان، ولن أرفعه قبل أن يشرب من دم الملايين من بني آدم، وقبل أن يهدم كل قصوره الاقتصادية والتقنية التي رفعها في وجه الطبيعة. إغلاق تام للدول، ومستشفيات تضيق بمصابيها، وقبور تُتخم بجثثها، وانقطاع عن مراكز العمل والمدارس والجامعات، وبطالة ضربت أرقامها القياسية، وركود وكساد وانهيار للاقتصادت.

وتزامنًا مع هذا التهديد الوبائي المدمّر والمخيف، والذي يتوقّع له الباحثون والعلماء أن يغيّر وجه الدنيا ويضع حدًّا تاريخيًا فاصلًا بين ما قبله وما بعده، تفلّتت كل الغرائز المتوحّشة الأخرى من عقالها.

على مبعدة أيام من الانتخابات الأميركية الفريدة في طبيعتها وإسفاف مناظراتها، تصاعدت حدّة التهديدات لتعلن أن “الأمة على مفترق طرق”.

في فرنسا فلت لسان الرئيس ماكرون من عقاله، ليعلن إصراره على التشبّث بما يعتبره “حرية التعبير” في نشر الرسوم الكاريكاتورية، ثم ما لبث أن استدرك ما خلّفه الشطط من مآس وضحايا على الأبرياء، فراح يداري ويبطّن اعتذاره.

في العالمين العربي والإسلامي انفلات للغرائز وردود الأفعال التي أقلّ ما يقال عنها إنها غير مسؤولة وغير حكيمة وبعيدة عن الاعتدال والتسامح.

ذبح وقتل بالسكاكين والسيوف للأبرياء في الكنائس والمساجد، وممارسات عنفية قاتلة بحقّ بعض الأعراق والأجناس والهويات، في أميركا كما في كندا وأوروبا وإفريقيا…

فساد وجوع ودمار وثورات وانفجارات، انفلتت على إثرها ضوابط الحكّام فهذا يدعو شعبه لمغادرة الوطن، وذاك يحثّه للذهاب إلى جهنّم، وآخر يعده بالكارثة الساحقة الماحقة.

أمّ ترمي بطفليها إلى لجّة النهر بين أشداق الموت.

زوجان متخاصمان يهجران المنزل ويتركان طفلهما الرضيع فريسة للجوع والصراخ.

زلازل وضحايا ودمار.

أعاصير تغرق المدن وتهجّرالملايين.

لوحات دموية تطوّق أيامنا. فكم نحن بحاجة إلى “روح الدين في الدين”؟!

وكم نحن بحاجة إلى مستشارين صادقين حكماء يوجّهون ويرشدون ويزيلون العمى عن البصائر؟!

وكم نحن بحاجة إلى كمامات لآذاننا وأفواهنا وعيوننا تقينا أوبئة السماع والرؤية والكلام؟!