في انتظار الكارثة
د. علي منير حرب
15/06/2021
…وماذا إن اعتذر؟! ولماذا الحكومة؟! ولماذا المجلس النيابي؟! ولماذا الدستور؟!
من قال في التاريخ إن فرعون أو نيرون كان لديهما حكومة، ودستور ونوّاب ومؤسسات؟
من قال في التاريخ إن هولاكو انتظر قرار حكومته ليطيح بالدنيا ويفترسها؟
ثمانية أشهر مرّت على تكليف الرئيس سعد الحريري لتشكيل الحكومة، بعد استقالة حكومة الرئيس حسان دياب، وإحراق التأليف لحكومة السفير مصطفى أديب، وشطب كل من لمع اسمه في “ماكينات اليانصيب” الحكومية من أمثال السيدبن نواف سلام وسمير الخطيب.
ثمانية أشهر وهرطقات الدستور والميثاق والصلاحيات والحصص تعصف وتقصف، على عادتها، في حياة لبنان واللبنانيين.
جبال من جليد الفساد والسرقات والكيديات وتخليع جذور الميثاق، تتكوّم وتجثم فوق صدر الوطن.
الجليد التاريخي في قطبي الدنيا أصيب بالترهّل والعجز واقتنع بالذوبان، فيما جليد العهر السياسي في لبنان ممعن في التكاثف والتراكم والتكاذب وطحن الرأس بالصخور.
كلٌ من آلهة الأمطار الحمضية المنهارة على لبنان يستدعي مجلسه الملّي الأعلى لتأكيد فتواه بتثبيت أقدام إلهِهِ من خارج دفتي الكتاب.
وفي ليلة من ليالي لبنان الحالكة في ظلمها وظلامها، سقط الوحي الهادر، يشقً عبابات الشاشات والسماوات والأرض، مهدّدًا ومنذرًا عظام المدفونين في رماد الذل والجوع والعوز، مبشّرًا بدفعة جديدة منقّحة من طعم الموت الذي لم يتذوّق اللبنانيون نكهة له من قبل: “كل الخيارات مفتوحة…والاعتذار وارد”!…
وما جديدك أيها الوحي القاتل وأنت تغرز سكينك للمرة الألف في قلب الجثة الذبيح؟
وماذا لو اعتذر الرئيس الحريري أو لم يعتذر؟
وماذا أن تكون عينه وعين المفتي دريان على لبنان أو لم تكن؟
وماذا لو كان الحريري هو الرئيس نبيه بري نفسه أو العكس؟
وماذا لو تمّ تجديد أمر الجلب لوريث البيت “الكرامي”، المهرول إلى الصروح استراقًا للحظة الهاربة، كما استجلب الرئيس دياب؟
وماذا لو تمّ تهريب الموافقة على السفير نواف سلام أو غيره ضمن عجقة المفاوضات النووية ومحاولات فتح الثقب في جدار الحرب السعودية الإيرانية؟
وماذا لو تشبّث الرئيس الحريري بموقعه غير “المسموح المسّ فيه” ولم يعتذر، متسلّحًا بسترة الشرعية الواقية التي وهبها له المجلس الشرعي والرئاسة الثانية ونادي رؤساء الطائفة؟
ما الذي يأمله اللبنانيون، وما يمكن أن يتوقعه عاقل ومراقب من انعكاس إيجابي أو أكثر كارثية على الدولة والشعب والوطن، لو تمّ أيّ من هذه الاحتمالات المطروحة؟
ما الذي يمكن أن يجترحه فيصل كرامي ونواف سلام ( مع حفظ الألقاب) وغيرهما أكثر مما سُمح للرئيس دياب وحكومته تسجيله في ترسيخ تفكيك الدولة واختلاق الإنجازات المزيّفة، والركوب على ظهر الثوار الصادقين للوصول إلى المحطة؟
لا رياح ساخنة تضرب جبل الجليد، وقد اعتصم وراء مصادّات الرياح التي قبضت على رأس التنين وأعدمت “غودو” قبل أن يأتي لمنتظريه؟
معركة التشكيل والتأليف والرئاسة الثالثة، كما كل المؤسسات، انتهت…لا حكومة في جمهوريتي…ولتطبق السماء على الأرض!…
المعركة القادمة ميدانها الرئاسة الثانية، آخر متراس للجمهورية اللبنانية. وها قد أطلت طلائع الحشد لجيوشها.
لا بطولة ولا أبطال في مسرحي العبثي القاتل.
نحن، ونحن فقط لا غيرنا، من “نبلطج” الرؤساء ونمسخهم بالكذب والتلفيق، ونحن من ننحر العدل ونغتاله، ونحن من ندين ومن نهين ومن نتطاول…”فزمن الشتيمة بلا جواب قد انتهى؟!” وحذار لأحد أن يستخدم لفظة من قاموسنا القذر.
لبنان اللادستور واللاشرعية واللاميثاقية واللامؤسسات واللاحدود واللاتاريخ واللاجغرافيا.
لبنان اللاهوية واللاأصدقاء واللااقتصاد واللاعملة واللامصارف واللادواء واللاجامعات …
لبنان اللاشيء…الجاهلي، المتوحّش، الأمّي، الأرعن، العاري، المتسوّل، “المشرشح”، المنبوذ، والنازف أمام أعين العالم.
اللالبنان المخلّع والمشلول والأبرص والأكتع.
هذا هو اللالبنان الجديد المتولّد من رحم الزانية الفاحشة في “التغيير”.
اللالبنان الذي يشبههم في صورته العجائبية الشيطانية المخيفة.
عبثًا تبحثون عن “غودو” في أي وجه من الوجوه.
عبثًا تبحثون عن صورة لبنان المتميّز والمتفرّد والشامخ والجميل.
عبثًا تبحثون عن لبنان الفيروزي والجبراني…
قضمته جرذان السدّ.
لا تنتظروا “غودو” لينتشلكم من جهنّم، فهو معتقل في ساديته وفرعونيته وهولاكيته.
كل مرابع الوطن باتت “رَوشةً” للانتحار…وما عليكم إلا الاختيار!
ولكن مهلًا…فقد اندثر هولاكو…. وفوقه طُمرت جثث النازيين.