وينتصر الحب

***تقديم***

                                                         المجموعة القصصية “وينتصر الحب”

                                                              للباحث الأديب أسامة أبو شقرا

“وينتصر الحب”!…

هي رحلة فنيّة أدبية، حملتني في محطاتها إلى عالم الفرسان النبلاء، وتاريخ المآثر العربية الأصيلة.

وينتصر الحب!…

إنها حكايات انتصار الحب، جولة بعد جولة، في معاركته لصدود الحياة وأقفالها الصدئة.

وكيف لا ينتصر الحب وقد ولد في العقل بعد القلب، ونشأ على صخرة الإيمان؟

ولم لا ينتصر وقد نما وترعرع في أحضان التسامح والثقة والوفاء؟

وهل يمكن ألّا ينتصر وقد نذر نفسه ليقود المواجهة لينصر المبادئ والقيم والأخلاق؟

كان لافتًا ومعبّرًا أن يختار المؤلف الصديق “أبو شقرا”، هذا العنوان ليمنحه لمجموعة حكاياته الاجتماعية الأخلاقية الهادفة، وكأنه أراد منه أن يكون فاتحة دعوة للقارئ ليصحبه في رحلة ممتعة شائقة، كل ما يكتنفها من أحداث وشخصيات، عامر بالمثل والقيم، مفعم بالمحبة والتضحية، مجلّل بالمروءة والشهامة، حتى أثناء العبور في المضائق الصعبة والأنفاق المظلمة والمواقف المآزق التي فيها من الجهل والتخلّف والظلم ما يبعث على الأسى والغضب.

من حقول الكاتب الغنية في مواسم تجاربها وغلّات علاقاتها ووفرة تنقّلاتها في البلاد، استقى وانتفى أبو شقرا موضوعاته قصصه وأحداثها وشخصياتها، ونقل بأمانة الشاهد وبراعة المراقب وصدق الراوي، ما عايشه أو ما عُرض على ميزان حكمه، أو ما سمعه من الثقاة وأهل الرأي والمشورة، لا بهدف الإثارة والتشويق في الحدث والأزمة وتحقيق فنيّة الحكاية فحسب، إنما لغاية الحكمة والهداية والاقتداء بالمثال في شتى العلاقات داخل الأسرة والمجتمع، وبين المحبين والأصدقاء وشركاء العمل. 

بلى، لقد انتصر الحب بين يدي “أبو شقرا”، لأنه يؤمن أن هرم الحياة لا يقوم إلا على قواعد العقل والإيمان والقيم الأخلاقية.

انتصر الحب مع “سليمى وحسام”: “عندما تتفجر الرغبة الصادقة في قلبين جمع بينهما حب حقيقي وإيمان راسخ بمبادئ ومثل قويمة، تعضدها إرادة صلبة، تتلاشى الصعوبات وتضمحل المستحيـلات، وتتهاوى الحواجز والعقبات، فينتصر الحب، وتعلو كلمة الحق على كل ما يزرعه أصحاب النفوسِ المغرضة في عقول أناس أنقياء الأفئدة وعلى سجيتهم، ذنبهم أنهم وثقوا بمن ظنوهم علماء فقهاء يبغون الخير والصلاح.”

وكما اعترف كبير القوم وأذعن لصوت الحق ، شارك الجميع أيضًا “حسامًا وسليمى” في انتصار الخروج من النفق بعد أن “أعطيتنا درسًا لن أنساه ما حييت. فكما كنت على يقين بأن ديننا قد ألّف بين الناس، فقد اقتنعت الآن بأن المذاهب، للأسف، عادت وفرّقتهم، ولكن الحب، الذي لم أكن أومن بوجوده، المدعوم بالإرادة الصادقة القوية الصلبة، رأيته الآن يجمع القلوب متغلِبًا على كل ما قد يعترضه من العقبات والحواجز.”

وتأتي قصة “وينتصر الحب”، عنوان المجموعة، ضمن دأب الكاتب على زرع الفضائل التي تنادي بها الأديان ونبذ المذهبية البغيضة التي تفرّق ولا تجمع.

يتجلى فيها فكر الكاتب المحلّق في الإيمان النقي، والمتحلي بالاعتدال والتسامح والمنطق، كما في المحافظة على القيم والمبادئ الأصيلة، والرافض لكل الأفكار الظلامية المغلقة.

تظهر رسالة الكاتب مبثوثة بجلاء في معظم جوانب القصة وسائر قصص المجموعة، كما تظهر قسمات فكره ومنهاجه واضحة في شخصيات الأبطال ومواقفهم.

وانتصر الحب ثانية مع “شادي ومنى” على يدي “فريد”، صوت “أبو شقرا” وضميره في القصة، الذي حضر كالرسول الهابط من العلى، منقذًا فارسًا عربيًا شريفًا، ليمسك بيد غريق مشرف على الموت، مطحون بالندم المميت بسبب زلة ضعف إنساني ساقته إليها لحظة تخلٍ عاصفة بالحاجة واليأس، على الرغم من إيمانه وصدقه ونزاهته.

وقال “فريد”، الفارس الجواد الأصيل، وقد جمع الشمل وضمّد الجراح وأعاد السكينة إلى النفوس المنهكة: “إن ما تقولينه، سيدة منى، لُغْزٌ حيّر العلماء والفلاسفة منذ فجر التاريخ. وهذا في رأيي، من تدبير قوة خارقة تدبّر شؤون هذا الكون وترسم سبل من وما فيه من مخلوقات حيّة أو غير حية. وقد اختُلِفَ في تسميتها، أهي القدر أم الله الخالق، جلَّ وعلا.”

وتتوالى رايات الحب منشورة فوق ساحات الصراع مع “جمانة ومسعود والمحامية سوسن” في “قطة أليفة انقلبت نمرة شرسة”  حاملة في كل فصل مفاجأة جديدة في مأساة “جمانة” وفي وحشية “مسعود” وفي دناءة “فريد” كما تحمل لوحات ناصعة عن نزاهة القضاء عندما يصرّ القاضي العادل على التشبّث بأهداب العدالة، وعندما تتولّى القضية محامية بارعة وصادقة مثل “سوسن”.

وبعده مع “سامي ودانية” في “حكمة زوج”، عندما هزم “سامي” الزوج الأمين الحكيم،  شيطان الشك الذي حاول أن يوسوس في الصدور وقال: “أنا إنسان، وكل إنسان معرض للخطأ، وما الكمال إلّا لله تعالى؛ فقد يصدر عنّي، في ساعة غضب، كلام ينمّ عن ومضة شكّ في بعض سلوكك. هذا ومن عادتي، أني في كل مرة أسمع فيها نبأ فيه بعض الشرّ، أسترجع دومًا، قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾.

وكذلك مع “الأم البديلة” و”حركة تكشف حفايا النفس”.

كل ما في قصص المجموعة من أبطال وأحداث ووقائع وأمكنة وهزّات وتجليات وفضائل، يوجه رسالة نبيلة سامية تنبئ بدوام الخير والمحبة والوفاء، مهما تعاظمت من حولنا عواصف الزمان، لأن الحق هو الأصل ولا يغيب هذا الأصل طالما بقيت شمس الفضيلة مستعدّة أن تخرق الحجب وتشرق في النفوس والعقول.

يطغى على القصص الأسلوب الواقعي، حتى في أدقّ التفاصيل، والمحبوكة حبكًا جيدًا في جوانبها الإنسانية والقانونية والاجتماعية.

وبقدر ما فيها من الواقعية السلسة الصادقة البعيدة عن المؤثرات البنيوية للقصة، ترفدها براعة الكاتب في استخدام لغة راقية سليمة نقية، وأسلوب شائق يترك القارئ مشدودًا إلى أحداث القصة حتى نهايتها دونما “تبهير وتذويق”،  بقدر ما حفلت به من عبق غامر بالحكمة والمثل والفضائل والقيم.

تتضمن القصّص إسقاطات تاريخية وسياسية مهمة عن موضوع الحرب الأهلية التي اجتاحت لبنان وما خلّفته من مآس وويلات

وعن فشل الدولة وتقاعسها في حماية شعبها وأطفالها الأبرياء.

أهنئك، صديقي الكبير، لكل ما تتميّز به من سكينة وأمان وسلام مع نفسك وأفكارك وبصيرتك وتوثّبك المستمر لتوشّح بقلمك صفحات تحيي وتنشر الجمال والمحبة.

                                                                                                            د. علي منير حرب

           كندا في 06/11/2021