نظام العمى
خاص مجلة همس الحوار الأكاديمية.
العدد 25، تموز / يوليو 2024
مذ وطأت قدما الإنسان الأرض، أدرك أن البصر الممنوح لجميع الخلق، مكلّف بمجال النظر إلى هيئة المرئيات بأجناسها وأشكالها وألوانها.
ومع تعاقب المدنيات والحضارات والديانات، عبر آلاف السنين، ثبتت وشاعت حقيقتان ناصعتان:
الحقيقة الأولى: أن النظر (البصر)، وأداته العين، هو مركز فائق الحساسية والأهمية لرؤية ما يحيط بنا، وهو البوابة الأولى للاتصال والمشاهدة والاطلاع، والنافذة التي نطلّ منها على العالم الخارجي. وأن أكثر من ثلاثة أرباع ما يتعلّمه الإنسان في حياته يأتي من البصر، وأنه عن طريق العين نتمكّن من معاينة معجزات وجمالات الخالق في خلقه وإبداعه. فالبصر للمخلوقات، هو تدفّق أنوار الحياة أمام ناظريها، وسبيل اكتشاف ما حولها في هذا الكون.
ولعلّ من أروع ما تمّ التعبير عنه حول فضيلة البصر والنظر، هو ما جاء في خاتمة قصة «بلد العميان» (The Country of the Blind)، للكاتب البريطاني «هربرت جورج ويلز»، بعدما سقط بطل قصته ومتسلّق الجبال «نيونز» في واد أصيب جميع سكانه بالعمى قبل أجيال بعيدة. وكان هذا المبصر الوحيد أعجوبة بينهم، فراحوا يغرسون أصابعهم في عينه التي بدت لهم عضوًا غريبًا.
أخذت «نيونز» الظنون أن بإمكانه أن يسود هؤلاء القوم العميان وأن يصبح ملكًا عليهم، وراح يردّد: «في بلد العميان يكون الأعور ملكًا.»1
وقرّر أن يريهم أهمية البصر «وقد وعدهم بأن يصف لهم من هناك كل ما يحدث بين المنازل. وصف ما تبيّنه من الغاديات والرائحات، لكن الأشياء التي عدّها هؤلاء الناس مهمة، إنما حدثت داخل البيوت التي لا نوافذ لها، أو من خلفها، كانت تلك الأشياء تحديدًا هي محك اختبارهم له وهذه الأشياء لم يستطع أن يراها أو يخبرهم بشيء عنها.»2
حاول الهرب لكنهم لحقوا به بطريقة العميان المخيفة، وأمسكوه وأعادوه إليهم.
بدأ يميل لفتاة وجدها جميلة، ولما طلب يدها لم يقبل أبوها لأنهم كانوا يعتبرونه أقل من مستوى البشر، ولأن الفتاة كانت تميل إليه فعلًا، فقد كان رأي أحد الحكماء قاطعًا: «أعتقد أن بإمكاني القول بدرجة معقولة من الثقة إنه لكي نعالجه تمامًا، فكل ما علينا فعله، هو جراحة بسيطة وسهلة؛ بالتحديد، إزالة تلك الأجسام المزعجة، وبعدها سيصير عاقلًا على نحو مثالي، وسيصير مواطنًا مثيرًا للإعجاب تمامًا.»3
صار العمى شرطًا ليرتفع المرء من مرتبة الانحطاط ليصير مواطنًا كاملًا.
تظاهر نيونز بقبول العرض، لكنه عقد العزم على الهرب مهما كانت النتائج، لقد أضحت حياته هنا لطخة آثمة.
تسلّق مدخنة حجرية وتمكن من الفرار بعيدًا عن بلد العميان. و«بحلول غروب الشمس، كان قد كفّ عن التسلّق، لكنه كان قد ابتعد وارتفع. كانت ملابسه ممزّقة، وكانت أطرافه ملوّثة بالدماء؛ إذ أصابته كدمات في أكثر من موضع، لكنه استلقى كما لو كان في أفضل حالاته، وارتسمت على وجهه ابتسامة.»4 وشعر وكأنه وُلد في تلك اللحظة من جديد وهو متمتّع بكل أعضائه وحواسه، ومحتفظ بالحُسنيين بصره وبصيرته.
أما الحقيقة الثانية: فهي أن هذا البصر – مهما كان حادًّا ونافذًا، ومهما بلغت أهميته – قاصر ومحدود، فهو مع كل خصائصه ومزاياه ومهامه، يبقى قصير المدى، وضيّق الأبعاد والمعاني، ويقتصر عمله على تحسّس ما نراه والحكم عليه من الخارج، من دون القدرة على التغلغل في ثناياه واكتشاف الخفيّ الكامن وراء خلفيات المحسوسات وأصولها وغاياتها.
وهنا تأتي البصيرة!!! التي اشتقّ اسمها من البصر.
البصيرة هي الرؤية من داخل النفس إلى داخل الأمور، وهي نور القلب والعقل كما أن البصر نور العين.
إذا كان البصر يريك النور، فإن البصيرة تساعدك على رسم الطريق للوصول إلى هذا النور.
البصر يريك الجميل والقبيح، الجيّد والرديء، لكن البصيرة النيّرة هي التي ترشدك إلى الحقّ والخير والجمال.
إذا أصيب صاحب البصر ببصره وأصبح ضريرًا، اعتمد على بصيرته التي تضيء من داخله ليسلك دروبه في الحياة، لكن من يفقد بصيرته يصبح أعمى وفاقدًا، ليس فقط حاسة واحدة،، بل جميع حواس وأدوات الاستشعار، ويغدو أرعن متهوّرًا جهولًا، لا يحسن الاستبصار في الأمور وتوقّع النتائج، ولا يقدّر العواقب.
للبصر أداة واحدة هي العين، وللبصيرة أدوات عدّة هي العقل والفكر الثاقب والحذق والفطنة والتأنّي وبُعد النظر والخبرة والتجربة والتفكّر والتوقّع…البصيرة تعني أن تتحوّل كل حواسك أدواتٍ للمعرفة والاكتشاف.
بالبصيرة، يمكنك أن تتعرّف على المرئيات والأحداث بعدسة أوسع وأعمق وأبعد وأقرب مما تراه بعينيك، فيتوسّع أمامك مجال الرؤية والفهم والمعرفة، ما يساعد على إصدار أحكام أكثر عدلًا وأقل تحيّزًا، وإلى بناء علاقات واستجابات ومواقف أسلم وأجدى.
الحواس تعرض لنا ظواهر الأشياء والأمور، أما البصيرة، فهي المختبر الذي يفكّك عناصر ما التقطته الحواس، ويحّلل مركّباتها ويدرسها ويتفكّر بها، وينبئنا بما تحمله من احتمالات الحدوث. إن بصيرة العقل ترى عمق هذه الأشياء بالتحليل والتدقيق، فترى ما لم تدركه الحواس من خلفيات هذه المحسوسات لتكوّن المُدرَكات لاستنباط العبر.
البصيرة هي الإدراك والمعرفة. وهي تعني الثقافة والحكمة والاستنارة والاعتبار، وفي أبعادها الإدراكية – الاجتماعية والاقتصادية والسياسية – تعني الاستراتيجية التي تبني للأجيال والمجتمعات والدول، تنمية وتقدّما واستقرارًا.
وصف الله نفسه سبحانه بأنه «البصير، وبأنه السميع العليم الخبير، وأنه عالم الغيب والشهادة، وعلّام الغيوب…»
يقول تعالى في كتابه الكريم موضّحًا أن البصر ليس حسّيًا والغشاوة ليست حسّية، وهو ما صرحت به الآية القرآنية الكريمة بوضوح أكثر: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْاَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ اَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْاَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور﴾، سورة الحج / الآية: 44.
وقال تعالى أيضًا: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾، سورة يوسف / الآية: 108.
ووصف السيد المسيح عيسى بن مريم نفسه: «أنا هو نور العالم. من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة.» (يوحنّا 12:8). و«سراج الْجسد هو العين، فإن كانت عينك بسيطة فجسدك كلّه يكون نيّرًا، وإن كانت عينك شرّيرة فجسدك كلّه يكون مظلمًا، فإن كان النور الذي فيك ظلامًا فالظلام كم يكون؟» (متّى 22:6-23).
ووصف ابن القيّم الجوزية البصيرة بأنها: «تفجّر المعرفة، وتثبّت الإشارة، وتنبت الفراسة» 5
واعتبر الإمام الغزالي البصيرة وسيلة للمعرفة، وأن وراء الحواس والعقل طورًا آخر أجدى منهما في المعرفة اليقينية – هو طور (انقداح نور الله في الصدر)، فإذا هو ذو بصيرة نيّرة»6
من جهته، عالم الأعصاب الكندي « إندل تولفينج»، مبتكر مصطلح (الذاكرة العرضية)، ومؤلف كتاب «عناصر الذاكرة العرضية»، يرى أن: «الذاكرة العرضية هي أساس البصيرة، وأن هناك صلة عميقة بين تذكّر الماضي وتخيّل المستقبل، وأن عملية التذكّر في حدّ ذاتها تمنح المرء (المادة الخام) اللازمة لبناء سيناريوهات معقولة للأحداث المستقبلية والتصرّف بناءً عليها.»7
أما الكاتب الكندي الآخر «دان فالك»، صاحب كتاب «البحث عن الزمن: تاريخ وفيزياء وفلسفة الزمن»، فيؤكد أنه من دون البصيرة «لما كان هناك تخطيط ولا بناء ولا ثقافة؛ ومن دون صورة متخيّلة للمستقبل، لما كانت حضارتنا موجودة».8
والبصيرة، موقوفة على أهل (النخبة)، أصحاب التفكّر والاستدلال والاستقراء لما في بواطن المرئيات وخلفها وعلى جوانبها، وهي التي زوّدت أسلافنا بأسلحتهم في صراعهم من أجل البقاء. وهذه النخبة هي المكلّفة بالتحكّم بمقود المسيرة الإنسانية، وضبط تفاعلها مع ظروف حياتها والحفاظ على استقرارها وتطوّرها.
في الميثولوجيا اليونانية، أن «بروميثيوس» كان واحدًا من هذه النخبة، عملاقًا حارب في صفّ الآلهة الأولمبية ضدّ العمالقة، وقد كان ذا حنكة ودهاء قادرًا على رؤية المستقبل والتنبؤ به. واسمه يعني بعيد النظر أو صاحب البصيرة، ولما كان محبًّا للبشر، فقد علّمهم فنون العمارة والبناء والنجارة والفلك وأعطاهم موهبة التداوي والشفاء.
وهذه النخبة الموصوفة بالتعقّل والتبصّر في الأمور، لم تكتفِ أو تستسلم لما عرضته العيون والأبصار من مشاهد ووقائع طبعت الإنسان البدائي على أنه فريسة سهلة لمفاجآت الطبيعة وأنياب الوحوش الضارية، بل أعملت عقولها وبصيرتها، وكوّنت مجتمع الرأي والمشورة، وتعهّدت بإيجاد الوسائل المنقذة للإنسان مما يحيق به من أخطار، فاكتشفت الأدوات الحجرية، وأخضعت النار لإرادتها ومصالحها، ودجّنت الحيوانات، وأصلحت الأرض، وصهرت المعادن، واخترعت اللغات، وسنّت الشرائع والقوانين، من أجل إحداث التغييرات في نمطية الحياة البشرية ونقلها إلى مستويات أعلى في التنمية المحدودة والشاملة، في المسكن والمأكل والملبس والمشرب والمعرفة والأمن والاستقرار.
«فالبصيرة، القائمة على التخطيط والتنفيذ هي القوة التي أتاحت للبشر ابتكار هذه المخترعات التي حوّلتهم من مخلوقات بدائية إلى مخلوقات استطاعت أن تتفوّق على جميع الكائنات الأخرى. فبعد الزمن الجليدي، وعلى مدى آلاف السنين التالية، كانت البصيرة هي التي تدفع بالجنس البشري إلى الأمام.» كما أشار علماء الإدراك (توماس سودندورف، وجوناثان ريدشو، وآدم بولي)، مؤلفو كتاب «اختراع الغد…تاريخ طبيعي للبصيرة».9
ومن هذه النخبة المقدّسة من الحكماء وأولي الأبصار، ذوي الرؤية والإدراك، استلهم «أفلاطون» أفكار بناء «مدينته الفاضلة»، والروح الكبرى «غاندي» الذي «اتّحد بالموجود الأعظم بقربى المعرفة والمحبة»10، «وأثار ثلاثماية مليون إنسان وزعزع أركان أكبر الإمبراطوريات في زمانه (بريطانيا)، وأحدث في سياسة البشر أعظم حركة عرفها التاريخ منذ نحو ألفي عام.» 11
إلى جانب سائر العظماء الحكماء الذين نشروا بذور القيم والأخلاق والسلام في العالم، وحقّقوا فتوحاتهم المذهلة في الميادين كافة، التي ساهمت في إضافة الحلقات الذهبية إلى سلسلة الحضارات الإنسانية.
في نهاية القرن الماضي قال الفيلسوف الألماني، «إيمانويل كانط»، في معرض انتقاده للذهن الإنساني: «إنه لا يمكنه أن يقف على كنه الحقائق؛ لأنه لا يعرف غير صورتها فقط كما تظهر له، فنحن نعرف الظواهر لا الحقائق، أي أننا لا نعرف الأشياء التي نراها في هذا العالم، وإنما نعرف الأفكار التي تؤلفها أذهاننا عنها، فنحن بإزاء العالم أو الكون كالرجل في غرفته، يتطلع من النافذة إلى الشارع، ويرى السابلة، فالنافذة هي واسطة التعارف بينه وبين هؤلاء السابلة، وكذلك حالنا نحن أيضًا في إدراك حقائق هذا الكون، ننظر إليها عن سبيل حواسنا وأذهاننا ولا نتصل بها مباشرة، فلا نعرف عنها إلا ما ترتئيه هذه الأذهان عنها، وما تكوّنه من الأفكار، وبإيضاح أكثر يمكن أنْ نقول: إنني لا أعرف هذه الورقة، ولا أقف على كنه حقيقتها، وإنما أعرف فقط فكرتي عن هذه الورقة.»12
الروائي البرتغالي «جوزيه دي سوزا ساراماغو»، الحائز على جائزة نوبل، عالج موضع العمى والبصيرة في روايته الشهيرة «العمى» والتي تعتبر من أبرز أعماله، حيث جسّد فيها الجانب الإنساني المتمثّل في الطبيب وزوجته وعائلته الذين بقوا متماسكين بعد اجتياح مرض العمى لأهل المدينة كلهم، كما تحدّث عن العمى الفكري ومرّر سخرية متخفّية عن الحضارة المزعومة التي ما إن انحسرت عن إنسانها حتى ارتدّ معها إلى أسفل الدركات، حيث قالت زوجة الطبيب في نهاية الرواية «لا أعتقد أننا عمينا بل أعتقد أننا عميان يرون، بشر عميان يستطيعون أن يروا لكنهم لا يرون.» 13
الفيلسوف والشاعر العربي الكبير أبو العلاء المعرّي الذي أصيب بالجدري وهو في الرابعة من عمره، وعمي منه، من غير أن يفقد طاقته وبصيرته الروحية الداخلية، كان يحمد الله على عماه كما يحمده غيره على البصر. وهو القائل:
«وَبَصيرُ الأَقوامِ مِثلِيَ أَعمى فَهَلِمّوا في حِندِسٍ نَتَصادَم.»
كما يُنقل عن شاعر الصوفية جلال الدين الرومي قوله الشهير:
«ضرير الروح لا يرى وإن أبصر وبصير القلب لو أغمض عينه يرى أكثر.»
الخاتمة
« وما انتفاع أخي الدنيا بناظره إذا استوت عنده الأنوار والظلمُ»
أبو الطيّب المتنبي
فيما نعبر الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، وفيما نمعن الإبحار في عالم الاكتشافات والعلوم والتقنيات، ونحلّق ما فوق الحداثة وما بعد الإنسانية، وما وراء الذكاء الاصطناعي والمخلوقات العجائبية، واختراع الإنسان الجديد من غير قلب ولا عقل ولا لحم ولا دم ولا عظام.
وفيما يعيش العالم، كل العالم من دون استثناء، بـ«زوابعه» و«توابعه»، بأقطابه المتقدّمة الحرّة الليبرالية الديموقراطية المتلبّسة بقناع حقوق الإنسان!؟ ومماليكه المتخلّفة النامية، تحت وطأة الأزمات والصراعات والحروب.
يتراءى لي أن سؤالنا وطرحنا، في هذا الزمان الملتبس، لمسألة البصر والبصيرة، يمثّل نوعًا من «الضرب في جثة الميت»، أو «الدقّ العبثي للماء في الجرن»، بعد أن ساد نظام العمى ونشر ظلامه في العيون والقلوب، ومهّد الطريق لتثبيت نظام «الفوضى» و«التفاهة» و«الهمجية» و«نهاية الديموقراطية»14…
كيفما قلّبنا عدسات «أبصارنا» الناظرة والكاشفة، وكيفما تركّبت الصور المطبوعة في أذهاننا، عن مشاهدات ما يجري حولنا، وكيفما تشكّلت معارفنا، المستولدة من معامل حواسنا الخمس أو الست أو أكثر منها، فلن نقع إلّا على حقيقة جارحة، وواقع مأزوم، ومستقبل مخيف، يكتنفه الخراب والشرور، تمخّضت جميعها عن نزيف متواصل لطاقة البصيرة وتجفيف ينابيعها وإلغاء مفاعيلها، ما أدّى إلى انهيار منظومة الثوابت التي قامت عليها الحياة الإنسانية، وتحطيم آخر أسوار الحماية ضدّ جوائح الهمجية ومذابح القيم والأخلاق.
البصيرة في عالمنا اليوم، تبدو مهارة مشلولة وعاجزة عن تحديد الاتجاه الصائب والأمين. ففشِلنا في تلمّس أسباب النهوض، بعد أن غرقنا في القراءة بعيون رؤوسنا وليس بعيون قلوبنا. وتجاهلنا أن البصيرة البشرية لا بدَّ أن تكون مرتبطة بما يعنيه أن تكون إنسانًا، ولا يمكن فصلها عن مفاهيم المسؤولية الأخلاقية، ولا عن أعمق مخاوفنا، ولا عن إحساسنا بالإرادة الحرّة.
عميد الأدب العربي الدكتور «طه حسين» الذي كُفّ بصره بعد أن أصيب بالجدري وهو في الثالثة من عمره، وعى أن ظلمات الجهل والفقر والتخلّف التي أفقدته بصره، هي ذاتها التي أفقدت الأمة بصيرتها؛ فتاهت في غياهب التخلّف والانحطاط. لولا غياب ثقافة العقل، ورواج ثقافة الخرافة، وما أشبه الخرافة؛ لكانت الأمة ذات بصيرة؛ تعصمها من التخبط والحيرة.
﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾. سورة البقرة / الآية: 7.
المصادر:
1 – هربرت جورج ويلز، بلد العميان، ترجمة لبنى أحمد نور، مراجعة جلال الدين عز الدين علي، مؤسسة هنداوي، ص: 13.
2 – هربرت جورج ويلز، بلد العميان، المصدر السابق، ص: 20.
3 – هربرت جورج ويلز، بلد العميان، المصدر السابق، ص: 26.
4 – هربرت جورج ويلز، بلد العميان، المصدر السابق، ص: 30.
5 – ابن القيم الجوزية، أبو عبد الله محمد بن ابي بكر، مدارج السالكين بين منازل آيات إياك نعبد وإياك نستعين، تحقيق محمد المعتصم بالله بالبغدادي، ج 1 (منزلة البصيرة) ، دار الكتاب العربي، بيروت – لبنان، ط 3 – 1996، ص 144.
6 – – خبيزة، محمد اليعقوبي، موقع الرابطة المحمدية للعلماء، المملكة المغربية، 2024/03/12.
7 – المقدرة الذهنية التي شغلت العالم، فريق التحرير، مجلة القافلة، (منوّعة تصدر كل شهرين عن شركة الزيت العربية السعودية آرامكو السعودية – الظهران)، المجلد 72، العدد 700، سبتمبر – أكتوبر 2023، باب آفاق، ص: 83.
8 – المقدرة الذهنية التي شغلت العالم، مجلة القافلة، المصدر السابق.
9 – المقدرة الذهنية التي شغلت العالم، مجلة القافلة، المصدر السابق.
10 – رومان روللان، مهاتما غاندي، ترجمة عمر فاخوري، صدر أصل هذا الكتاب باللغة الفرنسية عام 1924. صدرت هذه الترجمة عام 1927، وصدرت هذه النسخة عن مؤسسة هنداوي عام 2024، ص: 11.
11- رومان روللان، مهاتما غاندي، المصدر السابق، ص: 14.
12- موسى، سلامة، اليوم والغد، ، صدر هذا الكتاب عام 1928 وصدرت هذه النسخة عن مؤسسة هندواي عام 2019، ص: 127/126.
13- جوزيف ساراماغو، العمى، ترجمة محمد حبيب، الطبعة الأولى 2002، دار المدى، دمشق – سوريا، ص: 379.
14- راجع كتب: «نظرية الفوضى» (ليونارد سميث)، ترجمة محمد سعد طنطاوي، و«نظام التفاهة» (آلان دونو)، ترجمة مشاعل عبد العزيز الهاجري، و«الهمجية: زمن علم بلا ثقافة»، (ميشيل هنري)، ترجمة جلال بدلة، و«نهاية الديموقراطية»، (جان – ماري جيهينو)، ترجمة حليم طوسون.