أسئلة على ألسنة البسطاء في السياسة والشرفاء في حبّ الوطن (١)

د. علي حرب
12/10/2020
في ظاهرة عجائبية فريدة، بدأ اليوم، الرئيس سعد الحريري، غير المُكَلَّف، والمكلِّف نفسه بنفسه، استشاراته مع المرجعيات السياسية والحزبية، بصفته “المرشح الطبيعي”، الوحيد القادر على تشكيل حكومة جديدة، بعد اعتذار السفير مصطفى أديب عن هذه المهمة، لاصطدامه بصخرة الثنائي المتشبّث بوزارة المال، على الرغم من مطالبته وموافقته (الثنائي) على المداورة في الوزارات الأخرى.
أمام الاستغراب الذي ينتاب المهتمّين بالشؤون السياسية من هذه الظاهرة، ثمّة مجموعة من الأسئلة “الطبيعية” أيضًا، كما الترشيح، تطرح نفسها وتنتظر إجاباتها من دولة الرئيس الحريري قبل الجميع، كما من سائر القائمين على منظومة الفساد والفشل في البلاد، ومن الذين فقدوا ذاكرتهم من أبناء شعبنا، ومن الرؤساء الممعنين في غيّهم وضلالهم، والمتنكّرين لكلامهم قبل صياح ديكة الصباح، إما لفقدان ذاكرتهم هم أيضًا، وإما ليقينهم بأن أتباعهم “غفورون” متسامحون أغبياء، وإما لأنهم لا يدركون حقيقة ما يكتبه لهم “كتبة الوحي” من المستشارين الشياطين المحيطين بهم، أو ما يضعونه في أفواههم من دجل ونفاق ورياء.
1- لماذا صنّفت نفسك يا دولة الرئيس الحريري على أنك “المرشح الطبيعي” لاغتصاب الكرسي الثالثة؟ هل لأنك السنيّ اللبناني الأوحد الذي كُسرت من بعد خَلقه القوالب كلّها، (مع رفضنا الكامل لاستخدام هذا المنطق الطائفي المذهبي المقيت الذي يتستّر خلفه المنافقون المدّعون بالمطالبة بالدولة المدنية)؟ أم تيمّنًا بسائر الشركاء، من كل الطوائف والمذاهب، الذين كُسرت قوالبهم أيضًا، وأجازوا لأنفسهم احتكار مصير الوطن والشعب، وفي مقدّمتهم صاحبا الكرسيين الأولى والثانية؟
2- تقدّمت باستقالة حكومتك في أعقاب انطلاقة ثورة تشرين 2019، وقلت بلسانك: “إن الأمور وصلت إلى طريق مسدود وأنا طالع على قصر بعبدا لتقديم استقالتي”.
لقد علّلت استقالتك أمام مواكب الثوار بالوصول إلى “الطريق المسدود”. وها نحن على أعتاب الذكرى السنوية الأولى للثورة التي شُوّهت ببلطيجة المندّسين من أزلام الأحزاب، والتي قُمعت بالقتل العمد والرصاص الحيّ والاعتقالات والتعذيب.
ماذا لو استعادت الثورة أنفاسها وتنظيمها بعد أيام، وأصبحت أكثر تشدّدًا بمطالبها العادلة والمرفوعة في وجه “كلّن يعني كلّن”، فماذا أنت فاعل بترشيحك الطبيعي وتكليفك الذاتي؟ فهل ستطلع إلى القصر مرّة أحرى حاملًا استقالتك لأن الطريق لا يزال مسدودًا؟ (وإن كنّا نكبر لك، بغضّ النظر عن نواياك وأهدافك، موقفك بالاستقالة السابقة حيث جبُن الآخرون).
3- أعلنت بعد ذلك نأيك عن الترشّح لتشكيل الحكومة وامتناعك عن قبول التكليف مدّعيًا “أنك غير معنيّ بهذا الموضوع”. فتمّ تشكيل حكومة العاجز التابع الدكتور حسّان دياب، الذي فُرضت عليه حكومة جاهزة من لون واحد، غير شرعية ولا ميثاقية كما تتشدّقون دائمًا، تشكّلت في كواليس “حزب الله” والرئيس بري والرئيس الخاضع لإرادتهما في قصر بعبدا.
وباشرت أنت ونادي الرؤساء السابقين وسائر المبعدين عن كعكة الحكم والسلطة، وبمباركة ممن استولدوها وحاكوا خيوطها، منذ لحظة ولادتها بتقزيم حضورها وفعاليتها، وساعدكم في ذلك حكمًا عجز وقصور رئيسها وأعضائها وارتهانهم إلى مشيئة الصانعين، وعشق رئيسها للشاشات والميكروفونات لتطيير الأفيال وادعاءات الإنجازات الوهمية التي لم يستطع الشعب تحمّل خيراتها فغصّ بالـ97% منها وكاد يموت شبعًا وفرحًا، إلى أن كانت كارثة المرفأ الزلزالية فأطاحت بمن تبقى من الحكومة.
وأطلّت بعدها مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وتشبّثتَ أنت بتمنّعك وترفّعك ونأيك، وعهدتم، أنت و”رؤساء الله المختارين” في النادي، باقتراح اسم السفير الدكتور مصطفى أديب لتشكيل الحكومة الجديدة، بمباركة شركائكم في النهج، لكنكم، قرّرتم، وهذا ما تلقّفه الجميع بالترحاب، وضع سقف مرصوص بتأليف حكومة مصغّرة من أهل الاختصاص، بعيدًا عن السياسيين والأحزاب.
ولمّا اصطدم سقفكم بسقف الثنائي، بادرت شخصيًا، لطرح رأي مخالف لكل آراء زملائك، ومعاكس لكل طروحاتك وتعليلاتك للتمنّع والنأي وسحب اسمك من التداول، لاختيار وزير للمال يؤكد احتكار الطائفية للمناصب، حتى ولو كانت المباردة “لمرة واحدة وعلى أن يكون الوزير المختار مستقلًا”.
وبالطبع سقطت المبادرة واعتذر السفير أديب.
سارعت فور الاعتذار إلى القول والتحذير موجّهًا كلامك للمعرقلين: “ستعضّون أصابعكم ندمًا”. مع أنك تعلم جيدًا أن “المعرقلين” لا أصابع لهم ليعضّونها لأنها من أنواع السكاكين.
وتبعك الرئيس عون بتبشير اللبنانين بـ”الذهاب إلى جهنّم إذا لم تتشكّل الحكومة”.
والأسئلة الآن بعد هذا الشرح والتفصيل: ماذا ستطرح في مشاوراتك القادمة؟ كيف ستترجم ترفّعك وامتناعك وسحب اسمك من التداول؟ ماذا ستفعل بالسقف الذي رفعته للسفير أديب؟ كيف ستتخلّص من مبادرتك بوزير المال الشيعي؟ كيف تنفذ من المعادلة المرفوعة في وجهك: أنت وباسيل، أو كلاكما في الخارج؟ كيف ستقوم بنزع التفاح الفاسد ورميه بدلًا من نقله من صندوقة إلى أخرى بهدف تعميم الفساد والنتن على سائر الصناديق الوزارية والإداية ولكي يتمكّن كل منكم من الاحتفاظ بأوراق اتهامية يهدّد بها عند الحاجة؟ ماذا سيكون موقفك مع صديقيك اللدودين جنبلاط وجعجع؟
أما عن الأسئلة الأخرى التي تأتي من خارج هذه الأطر ولكنها في صلبها فهي التالية:
4- بدأت رحلتك في رئاسة الحكومات في لبنان منذ العام 2009، ما المعجزة التي تعد بها اللبنانيين الآن بالانقاذ، بعد مشاركاتك والوزراء المحسوبين عليك بكل المصائب التي حلّت بلبنان وشعبه؟ وبكل روائح الفساد المستشري؟ وبكل أسباب الانهيار المالي والاقتصادي والمعيشي الذي رافقك عبر هذه السنوات الطوال؟
5- ماذا ستقول للبنانيين عن التحقيق في انفجار المرفأ الذي لا يعلم أحد عن مصيره ومصائر المتهمّين والمقصّرين، وعن مدى مسؤوليتك ومسؤولية وزرائك، خصوصًا التابعين لكتلتك، والذين تعاقبوا على الحكم قبل التخزين وأثناءه؟ وهل ستبقى مصرًّا على التحقيق الدولي كما أعلنت يوم الانفجار؟
6-كيف ستقنع اللبنانيين المفجوعين بالدمار والموت والجوع بأنك تخلّيت عن نهجك السابق في المساومات والبازارات من أجل لبنان أولًا؟
7-ماذ ستقول للبنانيين الذين فقدوا أحبتهم ودُمّرت منازلهم في انفجار المرفأ، والذين سطت المصارف على مدّخراتهم وحقوقهم، وسدّت في وجوههم أبواب الرزق والتعليم والطبابة والاستشفاء، بعد أحد عشر عامًا من دخولك نادي الرؤساء؟
8-ماذا ستقول للرأي العام وللبنانيين عن الأسباب الحقيقية لاحتجازك في السعودية؟ وهل زالت أسباب هذا الاحتجاز؟ وإذا ما زالت قائمة فكيف ستعد اللبنانيين بالمساعدات من الدول الشقيقة؟
يا دولة الرئيس “المرشح الطبيعي” لتشكيل الحكومة، نناشدك باسم الشعب اللبناني، أن تكفّ أنت وجميع العازفين في سيمفونية الإنقاذ والسيادة، ولو لمرّة واحدة، عن التمادي في استغباء شعب فقد كل ما يملك، وفقد ثقته الكاملة بكم جميعًا، ولم يتبقّ له إلا كرامته التي لم يتورّع عن الدفاع عنها مهما تعاظم غيّكم، ومهما تعالت فذلكاتكم، ومهما طال استبدادكم. وإن 17 تشرين لناظره قريب.
“وعلى سيرة الأبواب” يا دولة الرئيس المحبّ لبيروت، نذكّركم أن للجنّة ثمانية أبواب. وذكر المؤرخ الدكتور حسّان حلاّق أن لبيروت المحروسة ثمانية أبواب أيضًا. فلماذا أوصدتم أبواب جنّة الشرق في وجوه الخلق، وتركتم لهم باب جهنّم مفتوحًا على مصراعيه؟