بقلم: د. علي حرب / 13/07/2019
لبنان، 10452 كلم مربع، حوالي أربعة ملايين نَسَمة، يعانون من “النَسَمة” أي ضيق التنفس الناشئ من “فيروسات حزبية” تغلغلت في شُّعيباتهم الرِئوِية.
يقول قائل: “يضمّ هذا البلد الصغير ثمانين حزبًا سياسيًا…وإذا كانت الصين محكومة بحزب واحد وطبقة بيروقراطية “شيوعية” آفلة ورأسمالية موجهة، فسياسة أميركا تتأرجح بين الحزبين، الجمهوري والديموقراطي، مع هامش محدود لجماعة البيئة والمجتمع المدني. حتى في فرنسا، فإن المنافسة السياسية تجري بين حزبين أو ثلاثة مع بعض الأحزاب الصغيرة، والأمر نفسه في بريطانيا وألمانيا. إلاّ في لبنان فلدينا “عجائب الدنيا” من الأحزاب والتيارات والألوان والبيارق والشعارات والأحلام، وما زالت التراخيص تؤخذ إستنادًا إلى قانون أقرّ في الزمن العثماني.
إنها فرادة اللبناني، وطموحاته التي تتحدى موسوعة “غينيتس”!…
الأحزاب السياسية اللبنانية، بصورة عامة، لا تملك أي مشروع نهضوي أوتحديثي لإنقاذ الوطن، لأنها قامت على تكتلات زعاماتية مذهبية طائفية ومناطقية.
الأحزاب السياسية اللبنانية قامت أساسًا على مبدأ إسقاط الآخر وإلغائه وتصفيته، وليس لإسقاط المظالم والانكسارات عن الوطن والشعب.
هي أحزاب إلغائية فتنوية وتصفوية، وليست أحزابًا بنّاءة وإصلاحية وباحثة عن مواضع الزلل لمداواتها. همّها الأول والأكبر والأوحد، هو أن تنتظر الآخر على أقرب “كوع” لتنقضّ عليه وتعمل فيه سكاكينها.
هي لا تتورّع عن التعاون مع أي محور خارجي لإسقاط شريكها المفترض في الأرض والوطن والمصير.
تتقاذف الخيانات… تتبادل الثارات والأحقاد…تدفع بأتباعها إلى المواجهات الدامية وتحرّضهم على الثأر والقتل والموت، ولا تحصّنهم ولا تحصّن الوطن ضد المخاطر والأزمات، إنما تفتعل الأزمات وتنكشها من تحت “سابع أرض” لتشوّه صورة الآخر.
إنها مدرسة متأصّلة لمسخ المبادئ والقيم وخنق روح المواطنة والتنافس الشريف الخلاّق.
لا تعترف بالمعارضة الديموقراطية، ولا تعترف بحق الإختلاف، ولا تعترف بحق التكامل في ما بينها، ولا تعترف بحق وجود الآخر، لا تعترف بدستور الوطن بل بدستورها الحزبي الخاص المناقض للوطن الجامع والحاضن والنهائي.
الدستور اللبناني هو آخر ما يفكّر فيه رؤساء الأحزاب، وأرواح المواطنين اللبنانيين هي آخر ما يحرص عليه هؤلاء الرؤساء، وماذا لو يقتل مئات الأشخاص كل يوم دفاعًا عن الحزب أو زعيمه؟
كل المصالحات أو التحالفات أو توقيع أوراق الهدنة، التي تمّت بين زعمائها، والتي قد تتمّ، إنما هي صورية ومخادعة و”ماكياج” خارجي يخفي وراءه سموم الأفكار والأهداف والتوجّهات. إنها مصالحات “فايشة”، على حدّ تعبير”كبير” من موقّعيها.
الأحزاب السياسية اللبنانية، وبالحقيقة الناصعة والصافعة، أحزاب فتنة دائمة لم تكن يومًا “نائمة”!
كل الأحزاب تستصرخ لعدم إيقاظ الفتنة “النائمة”، ويعملون على تنويمها فقط، من غير أن يفكّر أحد في وأدها ودفنها والقضاء عليها بمشروع وطني نهضوي جامع.
الفتنة ليست نائمة يا زعماء الأحزاب، إنها قائمة ودائمة ومتحكّمة بفضل كرمكم، إنها معشعشة في نفوسكم وحاضرة ومتأهبة في كل حين، لتثير الغرائز وتفلت الشوارع وتحصد الأرواح، وتعدِنا بالمزيد من سفك الدماء والتضحية بالأتباع والمناصرين على مذابح الحقد والكراهية والشخصانيّة.
الفتنة الحقيقية هي بوجود مثل هذه الأحزاب التي تقوم على مبدأ “أنا أو لا أحد”…
لا قيامة للبنان بأحزابه…
لا تنتظروا من مثل هذه الأحزاب مشروعًا لقيامة لبنان الحديث، لأنها هي غيلان الوطن، ولأنها قنابل منزوعة الفتائل، تسعى حيّات متفجرة من مدينة إلى مدينة، ومن بلدة إلى بلدة، ومن حيّ إلى حيّ، ومن بيت إلى بيت.
المؤسسة اللبنانية الوحيدة والصادقة والشريفة والأصيلة هي مؤسسة الجيش اللبناني، على أمل ألا يشرذموه ويفتّتوه ويوزّعوه أيضًا بين ممتلكاتهم المذهبية والحزبية.
أيها الباقون أحياء على أرض لبنان، الفتنة السوداء والعمياء تحاصركم بالوباء والموت، فتحصّنوا بلحظة وعي حقيقي.
أيها الشباب الطامحون إلى خدمة الوطن، أتمنى ألاّ تركبوا غيلان الفتنة في طريقكم إليها!…