صفقة القرن...تاريخ الهزائم العربية
بقلم د. علي حرب
26/07/2019
أيها الحضور الكرام، أسعدتم مساء
لماذا هذه النَدوة؟
في الشكل والمضمون هي نَدوة حول آخر ما طرحته أسواق العروضات السياسية الدولية، والذي عرف بصفقة القرن، في مسألة إغتصاب دولة وتطهير أرض من شعبها وتغيير معالم كيانها، وشطب وجودها من الخارطة الجغرافية.
هذه المسألة والتي، رغم كل إنهزاماتنا وتراجعاتنا العربية عمومًا، والفلسطينية خصوصًا، لا زالت، وسوف تبقى، تشغل العالم وتقلقه وتدفعه، مرّة بعد مرّة، للبحث عن مشروع جديد لا لحلّها أبدًا، إنما لتجديد الوقود الذي يضمن بقاءها مشتعلة.
لن أتحدث في هذه المقدّمة عن موضوع الندوة وما سبقه وما رافقه وما سوف يعقبه، فالأساتذة المحاضرون سيتولون هذه المهمة عرضًا وبحثًا ودراسة.
لكنني أودّ أن أشير إلى أن ما راج مؤخرًا حول ما يسمّى بـ”صفقة القرن”، المتعلقة بالمسألة الفلسطينية تحديدًا، والشرق الأوسط عمومًا، لم يكن بالتأكيد وليد موجة هوجاء من بين الأمواج الهوج التي يعصف بها بحر الرئيس الأميركي رونالد ترامب، كما قد لا تكون، وبالتأكيد فلن تكون، آخر هذه الأمواج الصاخبة التي بدأت بكسر المواثيق والقرارات الدولية، بتغيير وضع القدس الشريف ووضع الجولان المحتل.
أقول إنها ليست وليدة هذه السياسة الأميركية الرعناء، إنما هي، إجتراح جديد من إبتكارات المؤسسة الصهيونية، التي توعز للدول ذات الشأن، بتبنيها وطرحها والتسويق لها، تحت شعار الحلّ أو السلام، لكنها في حقيقة الأمر، ما هي إلا مشاريع متجدّدة ومبتكرة لمشاريع حرب قادمة.
الكيان الصهيوني المصطنع على أرض فلسطين، لا يمكن له أبدًا أن يتنفس ويعيش ويستمر في أجواء السلام. هو ليس كيانًا مدنيًا إجتماعيًا حضاريًا يمكنه أن ينسجم وينخرط في منظومة الأمم، لأنه آت من فكر إستعلائي تسلطي إستعماري مهيمن ومسيطر، يسبح ويعيش في بحار الدماء، ولا يستطيع أن يغادره إلى شواطئ السلام.
الكيان الصهيوني كيان حرب دائمة، ولحظة يتحقق السلام يموت ويختنق.
كل المبادرات التي أطلقت سابقًا وكل المؤتمرات المعقودة وكل الاتفاقيات الموقعة والتي قد توقع، ليس هدفَها إحلالُ السلام في فلسطين، بل هدفُها الدائم والأساسي، هو خلق مبررات جديدة لتفعيل النزاع وإثارة الحروب.
لا تفتشوا في أي مبادرة سابقة ولاحقة عن مؤشر سلام يمكن أن نبني عليه ونطوره، لأنها دائمًا “في متنها من نتنها عودُ”، بل فتشوا في خفاياها عن مكنونات الحرب التي تجترحها مخططات الشبكة الصهيونية لتبعد روح السلام التي تهدّد وجودها كلما لاحت في الأفق.
أضيف إلى ذلك، الواقعبن المظلمين والمؤلمين، العربي والفلسطيني، اللذين سهّلا على كلّ الجزّارين والسلاّخين، دوليين وعربًا، أن يمعنوا سكاكينهم في جسد هذه “البقرة” اليتيمة. فلا تندهشوا بعد اليوم، أمام أي قرار أو إجراء أو اتفاق، أميركي أو دولي أو أممي، يمكن أن يأتي مندرجًا تحت قائمة السلخ والبلع، طالما استمر النفق المظلم ممتدًا على مساحات هذه الأمّة، التي نسمع أنين جراحها وهي تردّد صدى المتنبي:
“رماني الدهر بالأرزاء حتى فؤادي في غشاء من نِبالِ
فصرت إذا أصابتني سهام تكسّرت النصال على النصال”
لا نهدف في هذا اللقاء إلى فتح جروح جديدة فوق جراحاتنا.
ولا نرمي إلى فتح دواوين العزاء والندب والعويل.
ولا نطمح لندلي بمزيد إلى ما يطفح به الكأس من تهم واشتباهات.
لكننا نتظلع إلى محاولة تفكيك بعض الخيوط المتشابكة في هذه القضية علنا نضع الإصبع على جرح ولو واحد من هذه الجروح النازفة ليبدأ المهتمون والمختصون بتشخيص سببه والبحث عن سبل لعلاجه.
لقد عانينا طويلاً جداً من الاستعمار العثماني والاستعمار الفرنسي والاستعمار البريطاني، وبعضها استمر مئات الأعوام، وغابت دول الاستعمار وإن لم تغب سمومها وألغامها التي وزعتها في أرجاء بلادنا.
ولا بد أن ينبثق فجر الخلاص قريبا كما انبثقت فجور الاستقلال رغم علاتها.
لقد أقلقت النازية العالم بأسره، فكانت سب مقتلها.
وجاءت الصهيونية لترفع رايتها من جديد.
ولا بد، ليهود العالم المسالمين والمؤمنين بالسلام، كما لا بدّ للضمير العالمي من يقظة وعي للحقيقة.
إنها، أيها الأخوة، لم تعد قضية فلسطين وحدها، ولم تعد قضية شعب فلسطين وحده، إنها مسؤولية تاريخية، مسؤولية ماض وحاضر ومستقبل، مسؤولية العالم، إن فشل أو تقاعس أو تخاذل السياسيون عن مواجهتها وحلها، فلا عذر لكوكبة المثقفين والمفكرين والأدباء أن يتناسوا دورهم الكبير والخطير والمؤثر في مثل هذه القضايا القومية المصيرية، كي لا تصبح لقاءاتنا حفلات أعراس ومآدب.
يجب أن تتحول أفكارنا وخبراتنا ورؤانا إلى أسلحة ماضية تشارك في معركة النهوض التي نعوّل عليها لفتح الأعين والآذان وإدراك ما يحيق بنا من مخاطر وأهوال، نعرف أن فلسطين كانت بدايتَها ولكن لا نعرفُ متى وكيف تكون النهاية.
وأختم لأقول: فلسطين ليست لكم
فليتوقف الدلاّلون عن فتح مواسم التنزيلات لبيعها.
فلسطين هي أرض الله وبيته ووقفه.
ومفاتيح فلسطين مغروزة في عيني مريم الراكعة في كنيسة المهد، ومسمّرة على الخشبة بين يدي السيد المصلوب فداء للبشرية، ومنقوشة على نصل سيف صلاح الدين المعلق على باب المسجد الأقصى “الذي باركنا حوله”.
فلسطين ليست لكم،
فلسطين هي بيت الله الأثير، فلا تخافوا عليها ولا تحزنوا، فللبيت ربّ يحميه.
وآخر ما أقول: “إن الإسرائيليين منذ أن جاؤوا إلى فلسطين، يدركون أنهم حصيلة كذبة إبتدعتها الحركة الصهيونية، إستخدمت خلالها كل المكر من الشخصية اليهودية عبر التاريخ”.
هذا الكلام، ليس لي، إنما لكاتب إسرائيلي هو آري شاليط قاله في مقالة له نشرت في جريدة “هآرتس”، تحت عنوان: “إسرلاائيل تلفظ أنفاسها الأخيرة”.
شكرًا لكم والسلام عليكم.