البيان الوزاري
هرطقة دستورية فوق جثمان المغدور

بقلم د. علي حرب

كندا في 24/01/2020

…وطالعتنا الأخبار أيضًا أن دولة الرئيس حسان دياب دعا أعضاء لجنة إعداد البيان الوزاري إلى عقد جلسة بعد ظهر اليوم (السبت في الخامس والعشرين من الشهر الجاري).

وبالطبع جاءت دعوته، كما ادّعى منذ لحظة تكليفه، تطبيقًا للدستور حيث قال: “تبلّغت من فخامة رئيس الجمهورية نتائج الاستشارات النيابية الملزمة، وفقاً للدستور“. وأضاف: “سأعمل، بالاتفاق مع فخامة الرئيس، واستناداً إلى الدستور، لتكون حكومةً بمستوى تطلعات اللبنانيين…”

وصحيح من حيث الشكل أن المادة 64 من الدستور تنصّ: على الحكومة أن تتقدم من مجلس النواب ببيانها الوزاري الذي يطرح سياسة الحكومة العامة أمام مجلس النواب لنيل الثقة.

أمّا من حيث الواقع والمضمون، فإننا نتساءل لماذا تتحمّل الحكومة مشقّة إعداد بيانها الوزاري وتهدر وقتها الثمين في لزوم ما لا يلزم تنفيذًا لمضمون دستور كان ينزف منذ عشرات السنين قبل أن تطلق عليه رصاصة الـ”لارحمة” على يد أهله المقرّبين؟

– فإذا كان البيان الوزاري مطلوبًا خوفًا من خرق الدستور، فلا مبرّر للخوف من خيال المآتة المتسربل بالدستور لأنه، وبفضل المقسِمين على حمايته وحفظه، والمستندين إليه، والعاملين وفقًا لنصوصه، قد أصبح جثّة مهترئة لا حول لها ولا قوّة، بعد أن نُفذّت في مقدمته ومتنه وصدره ومفاصله وأطرافه، أبشع أساليب الهرس والتقطيع والطعن والخوزقة.    

– وإذا كان البيان الوزاري مطلوبًا لمناقشته أمام المجلس، فلا حاجة للحكومة لهذا العناء وهي وليدة شقّ أكثري منه أمر بولادتها، وتنحّى عنها المعارضون المفترضون، وبالتالي مع بيان صوري أو بدونه، فالثقة مضمونة سلفًا أقله بأصوات 69 عرّابًا لها.

– وإذا كان البيان الوزاري غسلاً للوجوه المقيتة لأصحابه، وذرًّا لرماد الخديعة في عيون الشعب، المنتفِض والمنتَفَض عليه، لإعلان حسن النيّة في برنامج عمل الحكومة المرتقب، فلا حاجة لهذا الجهد الضائع طالما أن بنود هذا البيان قد أصبحت محفوظة في الصدور قبل أن تخط بالسطور، وقد ترجمت آياته البيّنات أفعالاً وأحداثًا، حتى قبل ولادة اللجنة المكلفة بصياغته، منذ اللحظة التي تمّ فيها الردّ الهمجي على العقوبات الأميركية على من يعرف فخامته ودولته، في وجه الحاكم المترّبع على عرش المصرف المركزي في بيروت واستكمل في تحطيم جمعية المصارف والمصارف في بيروت والمحال التجارية في بيروت، والتي كانت ساحة مباحة لنشر البيان الوزاري بالحجارة والقضبان الحديدية والعبوات الناسفة حرقًا وتخريبًا وتدميرًا، هذا من جهة، ومن جهة أخرى خنقًا مسبقًا لأي حلم طامح بالجلوس على كرسي بعبدا، من جهة أخرى. 

– وإذا كان البيان الوزاري، استعراضًا خطابيًا منصوصًا لإغراء أو إقناع الدول المقصودة لمساعدة لبنان لإنقاذه من الفشل، كما ناشد الرئيس الظلّ في مؤتمر دافوس، فإن ما سمعه أهل البيت من سفراء هذه الدول وما تناقلته بعض المواقف والتعليقات الدولية على تشكيل الحكومة الجديدة، يظهر أن هذه الدول لا يعنيها ما يأتي من وعود والتزامات في البيان الوزاري بقدر ما يعنيها البدء بإجراءات عاجلة وصادمة لتنفيذ القوانين ووقف جرائم الهدر والفساد والاستماع إلى مطالب الشعب اللبناني.

من هنا فإننا ندعوك يا دولة الرئيس الساكن في القصر الحكومي، إعفاء نفسك ووزرائك من  عبء تحصيل الحاصل، ومن هدر الجهد والوقت في هرطقة دستورية مضافة لا طائل من ورائها، وبدء العمل فورًا على تنفيذ ما لم تلتزم به، لا أنت ولا من رفعك على الصهوة، لأنكم أثبتم بما لايقبل الشك بأن ما التزمتم به، قبل التكليف وعند التكليف وبعد التأليف، كان ترنيمة سمجة ووقحة كتلك التي أطلقتها الأم الساذجة لتخدع طفلها فوعدته بذبح الحمام كي ينام.

وإذا كان طيف جثمان الدستور المغدور لا زال يثير لديك أحلامًا مزعجة، فيكفي أن تتقدّم من أكثرية المجلس الذي صنعك ببيان مقتضب تجدّد فيه ولاءك لهم بكلمتين قصيرتين: الحكومة منكم ولكم، ونيّال من أراح واستراح.

ومباركة لك الثقة سلفًا، وجناح الإقامة الذي كنت تحلم، وليبلّط الوطن والدستور والشعب البحر، فلا نبت حشيش بعد حماري المدلّل.