الفاشوش وقراقوش

الفاشوش في أحكام القاشوش

د. علي حرب

خاص مجلة المستقبل الكندي

عدد 15 أيار (مايو) 2021

…وفيما كانت سكاكين المجاعة والبطالة والتهجير تحزّ رقاب اللبنانيين من الوريد إلى الوريد.

وفيما كانت عفاريت قاضية العدالة العونية تتراقص بين ضحايا المرفأ ومذابح شركتي المكتّف وبروسك، وأشلاء الباحثين عن الرغيف وحبة الدواء وعلبة الحليب لأطفالهم من تحت مقابض الفاسدين والمفسدين والناهبين.

وفيما كان وحش الظلمة يلتهم آخر خيوط النور والكهرباء ويسقطها في بطون السماسرة وعاقدي الصفقات ومشرّعي قوانين السلف والمنح.

وبينما كان الموكب اللبناني في طريقه نحو محارق جهنّم.

أتانا “جان إيف لودريان” مبعوثًا من أمّنا الضائعة في فلك التاريخ، والحالمة بسيف بونابرت، والباحثة عن طفلها الذي تبنّته بصفقة نخاسية قذرة منذ قرن ونيّف.

والمبعوث “لودريان” لمن فاته بعض التاريخ، هو ليس النسخة المقلّدة للمتصرّف “أوهانس قيومجيان”، بل هو نسخة مزوّرة عن المارد الفالت من القمقم، العاجز المكسور عن تحقيق الأحلام، والذي يحاول عبثًا لحس طبقة الصدأ التي غطّت عربته الكسيحة مهوّلًا بسيف من التنك، هيهات له أن يمخر جبل النفايات السياسية في بلد بات بين أيدي المزبّلين.

أمام هذه اللوحات السوداء المخيّمة على سماء لبنان، وبالتزامن مع هذه الزيارة الدنكيشوتية الخشبية، تصدّر “القاشوش” الطاولة الخضراء، وسحب من تحت منديلها المتدلي على كتفيها الخائرتين “روشتة” التعليمات التي دسّها شيطانه، ليذكّره بما يجري في العالم من حوله.

صحا “القاشوش” من غفلته وتثاءب منهكًا وتمخّض فقال:

“تحية تقدير إلى عمال لبنان في عيدهم، أنتم ركن النهوض الموعود، وستثمر تضحياتكم حتمًا قيامة من الضائقة الخانقة التي يعيشها شعبنا. أولويتي اليوم أن أكون إلى جانبكم، وأواصل بذل كل جهد ممكن لتحقيق الإصلاح ومحاسبة من عاثوا في مالية الدولة فسادًا، لتعود لكم حقوقكم وحياتكم الكريمة.”

خيّل إليّ، في لحظة تخلٍّ، أن “القاشوش” كان واحدًا من الثائرين في ساحات القهر، ولكنني استدركت سريعًا  حين سمعت الفأر المتهاوي من أعلى السقف، يصرخ في وجه القطّ المتربّص، الذي ربّت على ظهره مهنّئًا بسلامة السقوط: أرحني من بركاتك، وارفع يدك عنّي، ولا تجعلني من “أولوياتك”، وأنا بألف خير من الله.

وأيقنت حالًا أن شيطانه نسي أن يذكّره أن لا عمل ولا عمّال في لبنان، بعد أن دُفنوا تحت أنقاض التفجير، أو قُدّموا أطباقًا للقروش في قوارب الفرار، أو هجّروا عنوة لإخلاء الأرض لأصحابها التياريين، بعد أن أيقنوا ألّا أمل لهم في طلب الدبس من النمس.

فـ”القاشوش” من طبعه أن “يقشّ” ما على الطاولة ومن عليها، ومن عاداته أن يخاطب طيفًا يملأ فيه فراغ كرسيّه المغطّى بحشائش الخشخاش والنيكوتين والكبتاغون والأمونيوم المزروع في الأرض اللبنانية عوضًا عن الخضار والفاكهة المحرّمة على التصدير؟

أين كان صاحبنا “القاشوش”، وفي أي عالم كان يغرق، فحيل دون رؤيته ما يحدث في الإفلاس ورفع الدعم وانهيار العملة الوطنية، والكوارث المحبوكة في عهده لتفريغ لبنان من آخر عامل من عمّاله؟!…

وما أن نفض “القاشوش” ريشه المشعّث، حتى سحب ورقة أخرى من مدسوسات شياطين عبقر الناصبين خيامهم في قصر الشعب، وقرأ ما فيها، والحسرة واللوعة تنسابان لعابًا على ضفّة فمه المرتجف:

“وحيّا الرئيس صمود الشعب الفلسطيني، واعتبر أن طغيان مبدأ القوة والتهجير وسلب الحقوق لن يؤدي إلا إلى مزيد من العنف والتمادي في الظلم…فليتذكّر الجميع، أن لا سلام من دون عدالة ولا عدالة من دون احترام للحقوق…إن المجتمع الدولي مدعو إلى التدخل لمنع اسرائيل من مواصلة عدوانها…”
هل اختلط الأمر على “القاشوش” فتحدّث عن تطوّر الأحداث والنزيف في القدس وطغيان مبدأ القوة والتهجير واستمرار الاعتداءات الإسرائيلية فيما كان بباله أن يسرد حكاية النزف الطويل والتدهور الكارثي التدميري للأوضاع في لبنان القدسي، واستفحال توحّش القوّة الطاغية، واستهداف الدولة والمواطن وزلزلة أركانهما وسبل عيشهما الكريم؟

وهل فاجأته صعقة الغيبوبة حين عنّت على باله مواويل فِرَقِ “النَوبَة” التي تندب العدالة واحترام الحقوق الفقيدين في لبنان؟!… 

لله درّك أيها “القاشوش”، من أين تأتينا بهذه الفنون التي عجز “ابن مماتي” عن ابتكارها وهو يكتب “الفاشوش في حكم قراقوش.”

من أين تستلهم وصاياك وكيف يمكن “للمرء أن يحب لأخيه” ما لا يحب لنفسه؟! وكيف يمكنه أن يحلّل للآخرين ما حرّمه ومنعه عن أولاده؟!

هل آلمتك عذابات القدس والعدالة الضائعة؟!

وأين كانت حميّتك ومبادئك أيام كان أبناؤك المسالمون اللاهثون وراء حقوقهم يواجهون أمام عينيك هراوات البلطجية وقنابل الغازات والرصاص الحي؟

وما قصة العدالة والحقوق التي تمّ اغتيالها في وطنك؟

وما حكاية تمرّد قاضيتك العونية مع شركتي “المكتّف وبروسك”؟ وما سرّ الأمر الرئاسي الذي أتاها عبر سمّاعة الهاتف؟

وما أمر راهباتك المزيّفات المرسومات في كنيسة دجّالك، اللواتي أسرعن لنجدة “الغادة” الثائرة لوضع اليد على الذخائر العجائبية المقدّسة؟

وهل كانت خصلة من شعر قاضيتك الحريري لتتجرّا على اقتحام أيّ مكتب أو منزل ممن تمّ استدعاؤهم للتحقيق في قضية المرفأ، وأبوا وتمرّدوا وأطاحوا بالقاضي “صوان” الذي تهوّر بإصدار الأمر؟

فكما “للقاشوش” دولته ودستوره وقضاؤه وقواه الأمنية المستقّلة الخاصة، فإن له أيضًا كرسيّه الرسولي وأديرته التي تخرّج دجّالين تغييريين و”راهبات مستقلّات”؟!…

وأين كانت حكمتك ومروءتك وأنت تطالب المجتمع الدولي بالتدخّل لمنع إسرائيل من التمادي في عدوانها، فيما أقمت القيامة ونصبت الميزان ووزّعت هداياك الاتهامية والخيانية لصاحب الغبطة البطريريك الراعي حين رفع الصوت مطالبًا بالحياد والمؤتمر الدولي لوقف ما يتعرّض له لبنان وشعبه من اعتداءات سافرة وقتل وتهجير وتفجير وتجويع بين يديك الكريمتين!؟   

مما رواه “مماتي”، أن “قراقوش” أمر بقطع رأس أحدهم، فجاءه الجلّاد معتذرًا أن الرجل قصير والمشنقة عالية. فبادره “قراقوش” فورًا: “فتّشوا عن رجل طويل واشنقوه”.

ويبدو أن قامات أصحاب “المكتّف وبروسك” كانت أطول من قامات الآخرين، وأكثر تناسبًا مع مقاسات مشانقك القصيرة!…

يا حضرة الجنرال الرئيس، إن تمادى “الأمماتي” في اختلاق الأكاذيب عن “قراقوش” الحاكم المظلوم في التاريخ، فإن التاريخ لن يظلمك البتّة وسوف يؤهّل المئات من أمثال “الأمماتي” ليضمّخوا تاريخ عهدك “الفاشوش في حكم عون قوش” بحقائق أغرب من الخيال!…