ما دخلت ولا خرجت رئيسًا
د. علي منير حرب
2022/10/31
احترامًا لوطني وجمهوريتي ووطنيتي سأخاطبك بالرئيس السابق ميشال عون.
لم أكن راغبًا ولا مدفوعًا للكتابة إليك وعنك، بعد أن أدركت أن ثمّة من يسمع ويرى ويفكّر ويجيب عنك، وبعد أن تمّ إطفاء منبّهات الحواس في دهاليز قصر الحاشية.
لكنني أكتب اليوم من حرقتي على نكبات وطني وكوارثه، ومصائب أهلي وشعبي بين يدي عهدك المشؤوم، ولهلعي الكبير مما ينتظرنا من سيول وعودك الجارفة بمواصلة “النضال في موقعك الجديد من أجل بلدك وشعبك”.
قبل حوالي سنتين، وتحديدًا في تشرين الثاني 2020، وبعد أن فاضت علينا (نعم) وعودك العرقوبية الزائفة بالخلاص والإنقاذ، فيما سفينة الوطن بركابها تتلوى في نار جهنّم، كتبت إليك بعنوان “لا نريد لك السقوط من علياء وعودك”، إذ كنت متوقّعًا لذلك، وختمت كلمتي بالقول: “شعبك يريد الارتفاع إلى مستوى وعودك ولا يريد لك السقوط من عليائها كي لا يكون السقوط مدوّيا وقاتلًا”.
ولم يكن خوفي آنذاك عليك، فأنت ماض كما مضى الآخرون، ولكن خوفي كان على سقوط الجمهورية التي فصّلتها على مقاسك وأخضعتها لنزواتك وأخذتها بجريرتك.
وها هو وقع الصدمة يتردّد في حنايا الوطن بفعل السقوط المشين الذي اخترته خاتمة لأيام كرسيك الرئاسية، في مشهدية مقزّزة سخيفة، قزّمتك رئيسًا، ومسخت مقام الرئاسة وجلالها، وقلّصت مساحة الوطن إلى المسافة الممتدة بين بعبدا والرابية، واختصرت شعبه (العظيم) بزمرة من زمّاري تيارك ومطبّليه، وإذا بـ”براقش” العصر تولد فيك من جديد وتأبى إلا أن تجني على نفسها وعلى بلدها وشعبها وأعدائها معًا.
ألم يحدّثك أحد في منفاك الفرنسي الطويل عن عقدة الأفاعي لـ”فرنسوا مورياك”؟ حين تتجسّد النرجسية في صورة الأفعيين تتقاتلان وتلتفّ إحداهما بالأخرى والأخرى بالأولى في عقدة لا تنتهي إلا بموت الطرفين. إنها عقدتك مع الوعود والشعارات المبهرجة التي امتلكتك وزرعت فيك أوهامًا تصبغ بها هزائمك بألوان النصر وشاراته ورموزه.
على مدى ثلاثين عامًا وأكثر، من مطاحناتك وبهلوانياتك المأساوية لم تترك للتاريخ حجة واحدة ليدافع بها عن قصورك وهزائمك وخسائرك التي أورثتها لوطن مفصول عن جغرافيته وتاريخيته، وشعب غارق في القهر والظلم والأزمات.
الكراسي لا تصنع الرؤساء، بل تكشف عوراتهم ونقائصهم. والسلطة لا تجمّل الطغاة، بل تزيد من بشاعتهم وقباحتهم.
“وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم”
ما دخلت رئيسًا، على الرغم من اللعبة التي أتقنت الغشّ فيها، وبالتأكيد لم تخرج رئيسًا، بعد ست سنوات عجاف، بل أقلّ من “دونكيشوت” خائب، لتكرّر تدوير أسطوانة النضال المكسورة في موقع من زاوية وطن أغدق عليك فُرصًا لا تستحقها.