حفل افتتاح
دار الدندشي للطباعة والنشر في مونتريال - كندا

د. علي منير حرب

12/09/2021

 

الحضورُ الكرام،

ها نحن في يوم الكتاب العربي الذي يحمل الكلمة العربية ويعبر بها المحيطات والآفاق.

إنها الكلمة…إنها الحياة…والحياة كلمة…

هي جسر عبور الفكر من الذات إلى الآخر، وهي مركبة الحوار والتواصل وقاهرة الفناء والاندثار.

وكما الجنين يتخلّق ويكتسي في الرحم لحمًا وعظامًا، كذلك هي الكلمة، لا تحيا ولا تعمّر إلّا في دفء رحم الكتاب، سواء كان صخرًا أو من طينًا أو بَرديًا أو أليافَ أشجار.

الكتاب هو دم الإنسان وفكرُه المسفوحان على الورق. هو ملجأ الشاكي وحائط مبكاه، هو الحامل لأحداثنا وآدابنا وعلومنا وحكمتنا وتجاربنا، وهو ميدان انتصاراتنا ومربع أعراسنا، وهو الحافظ الأمين الوثيق لرحلة الإنسانية في بناء ثقافتها وحضارتها.

في أحضان الورق المصفّر ترتعش أرواح الفلاسفةِ والمفكرين والحكماءِ والعلماءِ والشعراء،

وعلى وسادة هذا الورق يرقد التاريخ. 

أنْ تصنعَ كتابًا يعني أن تحفظ نتاج الفكر الإنساني في متحف الزمن الممتد بين أمسٍ وغد.

وأكاد أقول إن لهفة الكاتب لرؤية أفكاره مطبوعة على الورق توازي لهفةَ الأم لاحتضان وليدها على صدرها.

والكاتب، حين يكتب، فإنما يسكب نفسه خارج وعاء ذاته ليقدّمها للقارئ، وإلا فكم هو قصير عمر الكلمة بلا كاتب؟ وما قيمة الكاتب إذا لم يُقرأ؟

تأسيسًا على هذه الثوابت الملتحمة بحياة البشرية، والمتمثلة في جوهر الكلمة وتوثيقها وكتابتها وطباعتها ونشرها، أودّ أن أتحدث عن هذه المبادرةِ المغامَرةِ التي تجشّم عبئَها الصديقُ والأخُ جاسم دندشي.

هي مبادرة نكنّ لها كل التقدير لما تمثّله من دور هام في نشر الثقافة العربية في عالم الاغتراب، ومساعدة المؤلفين على طباعة ونشر وتوزيع نتاجهم الفكري والأدبي، والتخفيف من الأعباء التي يعانون منها لهذا الغرض، وسدّ نقصٍ هام في مجال دعم اللغة العربية العصماء.

وهي مبادرة رائدة، تأتي في لحظة حرجة جدًا، لتلبي احتياجاتِ المؤلفٍ والقارئ العربيين معًا، نظرًا للزحف الكبير من المهاجرين العرب، مفكرين وأدباءَ وشعراء، الذي تشهده دول الانتشار في العالم بسبب وطأة الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتردية التي تسود معظم البلاد العربية. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، إيجادِ البديلِ لمراكز النشر والتوزيع التي انحسرت أو أغلقت إما بسبب هذه الظروف أو بسبب الجائحة التي اجتاحت العالم، لا سيما في أهم عواصم صناعة الكتاب العربي.

وهي مغامرة لأسباب عدّة، وعلى رأسها التحديات التي تواجه الكتاب المطبوع أمام التقدم التقني الهائل لوسائل التواصل وشيوع الكتاب الإلكتروني بصورة واسعة.

وثانيها التحديات المطلوبة في بدايات انطلاقة الدار لتوازي الجودة التي تتصف بها بعض دور النشر العربية العريقة والمعروفة في هذا المجال.

وثالثها تأمين الطاقم الفني المؤهل والخبير لتقييم وتقويم المؤلفات المقدّمة لها مضمونًا وقيمة ولغة وصياغة.

ورابعها تثبيت أقدامها في أرجاء مناطق التوزيع عربيًا وعالميًا من أجل كسب ثقة المؤلفين الراغبين في الشهرة والانتشار ووصول مؤلفاتهم إلى أوسع شريحة ممكنة من القراء الراغبين في اقتناء الكتب المنشورة.

وخامسها موضوع التنافس في الأسعار والمشاركة في معارض الكتب العربية والدولية.

وتبقى الآمال الكبيرة معلقةً على همّة الصديق العزيز جاسم دندشي الذي بادر إلى تلقّف هذه المسؤولية الهامة والضرورية والجسيمة على عاتقه ، معوّلين على جهوده الدؤوبة في مدّ شبكة علاقاته إلى مختلف دول الاغتراب في العالم وإلى تمتين عرى التواصل مع مختلف التجمعات والمنتديات الثقافية العربية، وبخاصة تلك الاتحادات التي تتبنى مساعدة الكتْاب ماديًا لنشر مؤلفاتهم، ما يمكن ان يساهم في تقليص التحديات التي تواجه المؤلف العربي في موضوع ارتفاع سعر الورق واليد العاملة والشحن وغلاء المعارض والشروط القاسية التي تفرضها شركات التوزيع على الكتّاب، ثم الاهتمام بتنظيم معارض دوريّة للكتاب العربي في مختلف المقاطعات الكندية.

نرفع أصدق تهانينا وأمنياتنا بالنجاح والتوفيق والتقدّم، لصديقنا جاسم ولشركائه جميعًا،

كما نتقدّم من الصديقات والأصدقاء، الذين مثّلوا باكورة تباشير التعاون مع هذه الدار الناهضة، بأسمى معاني التبريكات متمنين لهنّ ولهم مزيدًا من التدفق لرفد المكتبة العربية بإصدارات تغنيها فكرًا وأدبًا.