الوارث والموروث بين فلسفة الأدب وتأديب الفلسفة
د. محمد إقبال حرب

د. علي منير حرب

04/01/2021

أحييكم جميعًا وأتوجّه بالشكر الجزيل للصديقة رئيسة “رابطة المبدعين ” السيدة غادة أرناؤوط التي هيّأت لنا هذا اللقاء.

قبل أن ندخل معكم حَلَبة الدكتور محمد إقبال حرب لنشهد فصلًا شائقًا من فصول مواجهته مع عدوّ أبدي “كان لا بُدّ من صداقته بدُّ”، أودّ أن أعرّج على بعض ما تضمنه تراث لغتنا العربية من معاني ودرجات الخوف في معاجمه، وبعض ما ورد من في تراثنا الديني، لندرك أبعاد ما يرمي إليه كاتبنا الصديق من حقيقة تصدّيه لهذه المسألة.

بعض الخوف لغةً: الخوف والحذر والخشية والفزع والفرق والوجل والرعب والجزع والرهبة والهول والهلع والرهاب.

وجاء في كتاب الله الكريم: “ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشّر الصابرين.” (سورة البقرة الآية155 ).

“لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.” (سورة المائدة الآية 68).

“ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب.” (سورة الرعد الآية 21).

ونرى في المزامير صورة داوود الذي اختبر أوقات الخوف مثلنا. ويعلن في مزمور 3:56 إيمانه بهذه الكلمات: “في يوم خوفي أنا عليك اتكل”.

وما جاء في الوصايا من نواهٍ وتحذيرات لا يخرج أبدًا عن مضامين الخوف.

لن استطرد طويلًا في البحث والتنقيب، فقد كفانا الكاتب مؤونة هذا الجهد بما عرضه من تداخل الخوف في ذراتنا في مشهد درامي مثير ومذهل، مجلّل ببهاء اللغة بيانًا وبديعًا، ومتدثّرًا برداء الفكر العلمي الرصين، مع جنوحه الواضح نحو فلسفة هادئة بسيطة بعيدة عن الإيغال في عالم الماورائيات والجدليات العصيّة غالبًا على الأذهان.

أحببت أن أذكر بعض هذه الحقائق لكي ألقي مزيدًا من ضوء الأهمية على المسألة التي يطرحها الدكتور حرب في مقالة “الوارث والموروث” والتي أراني مدفوعًا لأضفي عليها سمة “فنّ فلسفة اُلأدب أو فنّ تأديب الفلسفة.”

قدر الكاتب الأمين، على نفسه وعلى قلمه، أن يكون، هو نفسه، حقل تجارب لكل الأزمنة والأمكنة. أن يفتح أشرعة سفنه في وجه الريح، ليخوض مغامرات شتى، قد تكون أحلاها أكثر مرارة مما يتوقّع الآخرون.

صديقنا موضوع هذا اللقاء اليوم، الدكتور حرب، في رحلة “صيفه وشتائه” الشاقة التي أتحفنا بها “الوارث والموروث…وعي وطقوس”، لم يغب أبدًا عن هذا القدر الإبداعي الأدبي، “أأنا البشري الوحيد الذي يشعر وكأنه عاش على كوكب الأرض منذ آلاف السنين؟” وهذا دأبه ونهجه الذي وُسم به في مجمل كتاباته رواية وشعرًا وحكمة وتغريدات.

كان مغامرًا جريئًا ومقتحمًا حين تقدّم ليشرّع صدره “للنصال، حتى وكأن فؤاده في غشاء من نبال”، وبادر إلى طرح الأسئلة الصعبة التي لا يمكن للأديب أن يكون أديبًا إذا لم يقدم على طرحها واجتراح أجوبتها فكرًا وفلسفة.

وما الأسئلة الصعبة إلا تلك التي ينتزعها الكاتب حرب من سجل الصندوق الأسود الحافظ للرؤى الملازمة لمسيرة حياتنا الطبيعية، لتحويلها إلى رموز تستوجب، بين يدي فلسفته، سجالات ومرافعات وتفكيك لعناصرها الأولية عن طريق التساؤلات المستهجنة والغريبة التي يستمطرها من عوالم قراءاته وثقافاته الواسعة ومعايشته لوقائع ترسّبت في ذاكرته شرقًا وعربًا وفي كل اتجاه.

Read more