تكريم قدامي خرّيجي مدرسة الجميل

مدرسة الجميل

وقائع الحفل كما نشرت في جريدة القبس الكويتية 

حكايتي مع "الجميل"

كلمتي في الاحتفال:

قبل أن أبدأ، إسمحوا لي أن أرفع أسمى آيات الشكر والتقدير للسيدة الفاضلة “أم الجميل”، خولة رزق، (إم حنا)، التي كانت وما تزال، أطال الله بعمرها، السبب الرئيس لهذا اللقاء الفريد الذي يجمعنا اليوم، كما كانت دائمًا سيّدة اللقاءات الطيبة والحميمة، وزينة الصالونات، التي تجمع الأحبة والأصدقاء، ولا أخفي عليكم سرًا أيها الأبناء الأوفياء، بأن لقاء السيدة خولة بكم، في هذه الأمسية الحارة، لهو الأحبّ على قلبها، لأنها طالما أعلنت بكل فخر واعتزاز وكبر، أن “الجميل” هي واحدة من أبنائها الأعزاء.   

واسمحوا لي أيضًا، في هذه المناسبة الغالية، أن أدعوكم، لنرفع جميعنا صلاتنا، ليرحم الله الجندي المجهول، الذي يسمعنا الآن ويشهد حضورنا هذا في علياء سمائه، المرحوم الكبير أبو حنا، عادل رزق، زوج السيدة الفاضلة صانعة الأجيال، لأنه كان حاملاً لكل المهمات الصعبة من وراء الستار، كما أنه كان من أبرز الأسباب التي ساعدت على حضوري إلى الكويت وفي الاستمرار طوال الفترة الغالية على قلبي.

وأذكر هنا حدثين هامين لما أقول.

الأول عندما تعثرت مفاوضاتي مع السيدة الفاضلة خولة للتعاقد مع مدرسة الجميل بعد لقائها في لبنان، وعرضي بعض الشروط التي كانت تعتبر إستثنائية في ذلك الوقت، تدخل السيد أبو حنا وحلّ الأمر بالموافقة على شروطي.

والثاني، عندما ركبني عنفوان الشباب وقررت العودة إلى لبنان وإنهاء عقدي خلال العام، وأثناء عطلة عيد الفطر المبارك، تدخل أيضا ولحقني إلى المنزل، وحلّ الأمر بأسلوبه الأبوي الرائع.

واسمحوا لي أخيرًا، أن أتقدم منكم واحدًا واحدًا، لأحييكم وأشكركم، وأرفع الرأس أمامكم تقديرًا وإعجابًا واعتزازًاً بما حققتموه في حياتكم من نجاحات، وعرفانًا بوفائكم لمدرستكم، الذي قلّ أن نلمس مثيلًا له، شاكرًاً كل من كان وراء فكرة هذا اللقاء الاستثنائي، وكل من ساهم في تنظيمه والإعداد له.

ولا يفوتني أبدًاً أن أتوجه بخالص شكري وامتناني، للصديق الكبير، النائب الفدرالي في البرلمان الكندي، الأستاذ فيصل الخوري، الذي يجسّد بحق، النموذج اللبناني الرائع لعبقرية الأرز التي تجلت في بلاد الانتشار، والتي حققت المعجزات في شتى ميادين الحباة، هذا الصديق السياسي والشاعر والأديب والذوّاقة للغة الأرض والأجداد، بادر منذ لحظة معرفته بهذا اللقاء، معلنًاً رغبته في مشاركتي ومقاسمتي هذه الفرحة الغالية على قلبي، فأهلًا وسهلًا بك يا ضيفنا الكبير.

ويجدر بي أخيرًا أن أكشف أمامكم سرًا لأسباب نجاحي في مهمتي التربوية معكم في مدرسة الجميل، هذا إذا طاب لكم أن تعتبروها ناجحة ومميزة.

تقول حكمة بونابرت أن وراء كل عظيم إمرأة تدفعه دائمًا إلى الأمام، فكيف بربّكم لو تهيأ للمرء ثلاث من أروع نساء العالم: والدة ملائكية، أم عصام رحمها الله، وربّانة سفينة ماهرة، السيدة خولة، وزوجة كريمة، هي الحبيبة لينا، تتفانى في تضحياتها وتربّي “القمل في رؤوس الخارجين عن الخط” الهندسي.

اما ثاني هذه الآسرار فهو كوكبة نجيبة من أولياء أموركم، آباؤكم وأمهاتكم، رحمهم الله أحياء وأمواتًا، والذين واكبوني في رجلة عملي وكانوا لي بمثابة الضوء الخفي الذي يفتح عيني على الكثير الكثير مما كان يخفى علينا من طباع أبنائنا الطلاب. وقد ربطتني بالكثير الكثير منهم صداقات اعتز بها وأفخر، وأصبحت المدرسة بالنسبة اليهم محجًا شبه يومي، لا بد من زيارتها في الذهاب والاياب.

وثالث الأسرار نخبة من المدرسين والمشرفين لم يتوانوا لحظة في أداء واجباتهم وتقديم كل دعم وتعاون لإنجاح عملنا معكم.

ورابع هذه الأسرار، هو أنني بقدر ما كنت حازمًا معكم وربما قاسيًا في بعض الأحيان، بقدر ما كنتم تدركون في أعماق قلوبكم، بأنني أحببتكم الحب كله، وأردت دائمًا أن أجد فيكم المثال في النجاح والتفوّق علمًا وسلوكًا.     

إنها يا أحبائي، سمفونية الجميل الرائعة، عزفناها معًا بتناسق وانسجام وإبداع، بقيادة المايسترو الباهر، أم الجميل.

وفقكم الله أينما كنتم وكيفما فعلتم. وإلى لقاء طيب آخر. وأهلا وسهلا بكم جميعًا، بين أبناء الجميل البررة.

 

نظمت هذه القصيدة في مونتريال – كندا

في 30/03/2018

د. علي منير حرب

                             وانسال ما صاغت يدانا ذهبا

أهلا بأبناء “الجميل” ومرحبا              طال الغيابُ، فثار الشوقُ والتهبا

عِقد اللآلئ تمّ في لقياكُمُ                    لضيائكم تهفو القلوبُ ترقّبا

ضاءت شموس بالجباه وأشرقت           وأقسمت للنور ألّا تغربا

                                     *******

أينَ الشبابُ؟ وأين العزم منطلقًا            رام التحدّي واستباح السحبا

يا رونقً العمرِ الجميل تمهّلاً               قد أصبح القلبُ المتيّمُ متعبا

ولّى الزمان الحلو في تصخابه             غاب الشبابُ، وزهو العمر قد نضَبا

                                     *******

هذي الوجوهُ المشرقاتُ تألقًا               صيْحاتُهم بالأمسِ كانت صخبا

هل تذكرون هتافَ الصبح مشتعلاً         يُحيي الكويتَ، ويُحيي أمةً عربا؟

و”القاعة الزرقاء” كم شهدت              عرسًا ولحنًا وانتشت طربا؟

تزهو كؤوسَ الفوزِ في أرجانها            تاج لأسد المجد قد وُهبا

أيقظتمُ الساحاتِ من غفوتها                أحلامُكم ملأتْ فضاءً أرحبا

كانت تطال النجمَ في آفاقه                  تلهو وتطلق للمعاليَ مركبا

في العلم والأخلاق كنتم أنجمًا              أسماؤكم أعلى القوائم مرتبا

بالأمس كنتم في الملاعب ثورةً            وعلى المقاعد تنصتون ترهّبا

في كل درس نخبةً عملاقة                 في كلّ فنٍ تُبدعون العجبا

                                   *******

أعطيتِهِم، أمَّ “الجميل”، حشاشةً            من قلبك، أضحت وسامًا ومأربا

من روضة غنّاءة فيّاضة                   نهلوا الإبى والجِدَّ في حاء وبا

في سعيهم وطموحهم جابوا الدنى          عَلَمُ “الجميل” دليلُهم فوقَ الربى

فأناروا دنيا من لهيب كفاحهم              وبنَوا لهم في كل صَقع كوكبا

                                    *******

بِرًّا وعرفانًا أتيتُم لتُعلنوا                    للهّ…ما خطّ الوفاءُ وما اجتبى!…

بوركتُمُ جيلاً كريمًا صادقًا                 صان تراثًا للجدود النُجُبا

طوبى لكِ، أمَّ “الجميل”، بفتية             راعوا العهود، فلا تبالي تعجّبا

قد آلَ ما صنع “الجميلُ” قلادةً             وانسال ما صاغت يدانا ذهبا

                                                            *********

شهدت ولادتي في السبعين

فاتني أن أشهد يوم ولادتي.

فاتني أن أسمع الصرخة الأولى التي أطلقتها فرحًا أو إعتراضًا.

فاتني أن اشهد ما تمّ يوم ولادتي وما انفجر من آلام ودموع.

وها أنا، وبنعمة من الله العليّ القدير، أشهد يوم مولدي فيما كنت أطرق أبواب السبعين من العمر.

أجل، في مثل هذا اليوم، في 29 تموز / يوليو، عام 2018، آتاني الوفاء، بأبهى حلله وأسمى معانيه، يوم تكرّم أبنائي وطلاّبي، من خرّيجي مدرسة الجميل، في دولة الكويت، من الذين نهلوا المعرفة والتربية على يدي نخبة من المدرسين المربين، كان لي شرف مشاركتهم تدريسًا وإدارة، على مدى ربع قرن تقريبًا، أن يقيموا حفل تكريم لي ولصاحبة المدرسة السيدة خولة عادل رزق، التي زرعت “الغرسة الطيبة” في أرض طيبة، منذ عام 1960.

كان يوم التكريم هذا، بكل ما أتّصف به من حضور وتنظيم وكرم وضيافة وخطابات وفاء، يوم ولادة مشهودة لي، كما شكل نموذجًا رائعًا غير مسبوق، لصور ومعاني الوفاء النبيلة والرفيعة، ولتكريم الأحياء قبل أن نضع على جثامينهم النياشين والأوسمة.

جرى احتفال التكريم، في مطعم القصر في عروس المصايف اللبنانية -عاليه-، وقام بإعداده وتنظيمه العزيزان الغاليان على قلبي، ولداي الدكتور بسام فواز جمال الدين، وفريدي جحا، ولبت نداءهما أسراب من النسور المحلقة والشامخة رؤوسها في سماوات العالمين العربي والغربي.

كان يوم ولادتي عرسًا فريدًا من أجمل أعراس الدنيا لأن من أقامه وحضره كانوا نجومًا لامعات في الميادين كافة، أثلجت قلوبنا ورفعت جبيننا بنجاحاتها وتميّزها.

في هذه الذكرى العزيزة والغالية على قلبي، أوجّه تحية محبّة حارة، وتحية تقدير وإمتنان كبيرة، لكل أبنائي الأوفياء المخلصين، وأشدّ على يد كل منهم، أينما كانوا.

ويسعدني أن أنشر القصيدة التي ألقيتها لهذه المناسبة، شكرًا وفخرًا واعتزازًا، بأبناء عاشوا في قلبي وذاكرتي ردحًا طويلاً من حياتي.