هل بقي الله معروفًا في العالم؟!...

هل بقي الله معروفًا لدى العالم؟!

د. علي حرب
مونتريال 2023/01/03

إلى الصديقين الشيخ المغترب أحمد عيد مراد، والأستاذ الجامعي المفكّر الدكتور ربيع الدبس.
بين التساؤل الذي طرحه الشيخ المغترب الصديق الشاعر أحمد عيد مراد: “هل كان الله معروفًا لدى العرب قبل البعثة؟” والتعقيب الذي أدلى به الصديق الأكاديمي الدكتور ربيع الدبس، ثم الاستدراك (كما يسمّيه) الذي ردّ به الشيخ عليه، استوقفني أمران ملفتان: بلاغة الإيجاز في ترسيم الحدود الموضوعية للطرح كما عرضها الدكتور الدبس، وإصرار الشيخ على استحضار ذخائره المعرفية والمرجعية لتفسير أو تبرير ما دفعه إلى طرح مسألته.
والأمران كانا ممتعين في نزهة فكرية بدون أدنى شك، خرجت منها بمسألة شائكة أيضًا، كما وصفها الدكتور الدبس، قد تبدو مماثلة لمسألة الشيخ، لكنها من طراز حديث، خارجة على أنماط العقل والنقل، والجذور والبذور، وحكايات “أميّة بن أبي الصلت والعميد طه حسين”. 
والمسألة التي راودتني تتمظهر في جانبين متناقضين:
في أيام الرغد، وما أندرها في عمرنا على الأقل! نتسلّل بعامة إلى خزائن النوادر واللطائف والظرائف، لنزيد رغدنا حلاوة.
وفي أزمنة الجائحات الطبيعية والسياسية، وظروف المحن وانسداد الآفاق، وما أغزرها وأضناها! نفرّ، كما تفرّ الأنظمة والدول، إلى اجتراح ألعاب جديدة، أو إيقاظ ماضويات خامدة، أو استجرار أعداء من خارج الملعب، لإلهاء القوم عن واقعهم. وفي الحالين هروب من حقيقة ولجوء إلى وهم.
جميل أحيانًا أن نرفّه عن أنفسنا ونجدّد خلايا عقولنا ونسلّيها بطرح الأحاجي والمسائل السلفية الشائكة، ولكن قد يبدو لي من العبث القاتل أن نغرق في البحث عن خرم الإبرة الذي يدخل فيه الجمل، وعن جنس الملائكة، فيما تأكلنا نيران العسف والقهر والفساد، وتهدّد هياكلنا الموروثة والحديثة.
إن كان أول همّ للأديان وآخرها، هو خير الإنسان وسعادته.
وإن كان همّ العلم أولًا وأخيرًا إنقاذ الإنسان مما أنزله به أصحاب الأديان من ظلم، وتوفير خيره بإعلاء شأن عقله وحريته.
فلا في الأولى (عيّدنا)، ولا في الثانية (لحقنا العيد).
فالظاهر للعيان، أن الأديان لم تستأصل الورم، ولا العلمانية نجحت في استئصاله، وكلا اللقاحين فقدا مفعولهما بمرور الزمن.
أمام هذا المأزق الذي نعيش، في عجز العقل واهتراء النقل، لم يعد يعنينا، بل يعنيني أنا ذاتيًا، إن كان قابيل قد قتل هابيل خنقًا بيديه أو رجمًا أو …، بل يعنيني، كما أظنّ أنه يعني أبناء الإنسانية جمعاء، مَن قادرٌ وكيف على حمايتنا من نزق موتور تسوقه شياطينه إلى قتلنا بأدوات ووسائل لم تخطر على بال الجنّ والعفاريت؟!…  
ما يعني البشرية اليوم، أن تجدَّ البحث عن نبيّ أو رسول إنساني، مولود من رحم أزماتها، وقادر على نشلها من جهنّم الأرض، ما دمنا نفقد الأمل بنبي مبعوث جديد، يرشدنا إلى جنّة السماء، بعد أن ختمت النبوة بمحمد عليه الصلاة والسلام، وما دام العقل البشري جامحًا في توليد آلات الموت والدمار.
اتساءل معك، شيخنا المغترب، بعد ما أفلست عقولنا ونفوسنا من مخزون الوعي والمحبة والتسامح، وبعد أن استهلكنا الله والأنبياء والرسل والملائكة في تجاراتنا وبورصات أطماعنا، هل بقي الله معروفًا لدى العرب بعد البعثة، ولدى العالم؟!
مع تحياتي لكما.