وطن في الغربة: التنوّع والتعدّدية الثقافية
كندا أنموذجًا

المنتدى الثقافي الأسترالي

مؤتمر: “وطن في الغربة: شؤون وإنجازات”

أكتوبر / تشرين الأول 2021

 

 

بحث بعنوان:

 

[وطن في الغربة…التنوّع والتعدّدية الثقافية – كندا أنموذجًا –]

المغترِب المستهدَف في هذا البحث هو اللبناني.

وطن الغربة المقصود في هذا البحث هو كندا.

 

إعداد: الدكتور علي حرب

 

كندا في 01 / 04 / 2021

 

 

***ثبت المحتوى***

 

 الموضوع                                                  الصفحة

المقدّمة: ………………………………………………-٣-

الهجرة وتحوّلاتها: …………………………………..-٥-

بين الوطن والدولة:………………………………….-٩-

الاغتراب اللبناني:……………………………………-١١-

وطن الغربة: …………………………………………-١٣-

وطن الغربة شؤون وإنجازات: ……………………..-١٥-

حصن التنوّع والتعدّدية الثقافية (كندا أنموذجًا): ……-١٨-

قائمة المصادر والمراجع: ……………………………-٢٢-

 

 

 

 

 

 

 

 

***المقدّمة***

دأَبْنا في أغلب أدبياتنا على تناول موضوع الهجرة والاغتراب من زاوية رومانسية وجدانية عاطفية، فيها من الأسى والحسرة واللوعة والحنين، فائضٌ يطغى على ما تحمله هذه القضية من عناصر التغيير والتحسين لواقع مأزوم من جهة، ومن مكتسبات ومحصّلات اقتصادية واجتماعية وثقافية من جهة أخرى.                                    

من المؤكّد أن ما تثيره قضية الهجرة من معاناة وضنى في نفوس المهاجرين وذويهم يصعب جدًا تحمّله، وأن ما يتكبّده الوطن من خسائر بابتعاد أبنائه، مع ما يمثّلون من طاقات ومهارات وكفاءات، يكون فادحًا للغاية، وأن عملية النزف المستمرّ في دم شباب الوطن مدعاة حتمية لإصابته بفقر الدم التنموي الشامل.                                                                                                                                     

أطرح في هذا البحث قضية الهجرة، كظاهرة تاريخية رافقت البشرية منذ آلاف السنين، وظروفها ودوافعها الشخصية ومسبّباتها الاقتصادية والسياسية، وما طرأ عليها من تطوّرات وتحوّلات بعد أن فقدت صفاتها الفردية والارتجالية، وأضحت مؤسسة منتظمة لها قواعدها وأصولها وقوانينها، مستهدفًا بالتحديد هجرة اللبنانيين عبر التاريخ.                                                                                                        

كما سأحاول الإجابة، بمنطق وعقلانية، على السؤال الطبيعي: هل لا زالت معضلة الهجرة وآثارها ومعاناتها، على حدّتها وقساوة مرارتها، على مستوى الطرفين المغترِب والمقيم؟

في غمرة غرقنا في لجّة الظلم والقلق التي سقطنا فيها في أوطاننا، وأطلقنا بسببها صرخات الوجع واليأس، غشت أبصارَنا غمامةٌ سميكة أضاعت من بعضنا بوصلة الاتجاه، وقادتنا إلى الخلط بين مفهومي الوطن والدولة، الوطن ككيان جغرافي وهُويّة وانتماء، والدولة ككيان سياسي إداري يرعى شؤون الوطن، فعَمَدْنا إلى كيل الاتهامات وتحميل الوطن مسؤوليات وتبعات ما نعانيه.                                                            

فلذا كان لا بدّ من تسليط الضوء الكاشف على مفهومي الوطن والدولة، كي لا نسحب ظلامتنا على الكيان الوطني نفسه، وحتى لا نتمادى في تكرار اتهاماتنا بأننا طفشنا هائمين من ويلات الوطن.

ثم تعرّضت بإيجاز إلى حكاية طويلة عن الاغتراب اللبناني التي بدأت فصولها منذ مئات السنين وما زالت حلقاتها تتوالى وتتصاعد، بوتيرة عالية، حتى يومنا هذا، ودائمًا للأسباب والدوافع الطاردة نفسها، وللأهداف المتوخاة في البحث عن بديل آمن وكريم نفسها أيضًا.                                                                                              

كما تناولت مفهوم وطن الغربة وما يعنيه هذا المصطلح الذي يتّخذه مؤتمركم هذا عنوانًا رئيسًا، أي أنه هو القضية البارزة التي تنضوي تحتها قضايا متفرّعة قد لا تقلّ أهمية عنها.

وعرضت بعدها ما تتضمّنه قضية الهجرة من شؤون وشجون وما فيها من مفارقات وتناقضات وتحدّيات بالنسبة للمهاجر، الجديد بخاصة، والاختلافات التي تواجهه. كما ألقيت الضوء على مجمل الإنجازات التي تحقّقت في وطن الغربة لصالح الأطراف الثلاثة: المهاجر والوطن الجديد والوطن الأم.                                                                                            

وحاولت أن ألخّص ما أسميته “حصن التنوّع والتعدّدية الثقافية”، الذي يعيش ضمنه المهاجر في كندا مع مزيج عالمي من الشعوب والأعراق والتراثات المختلفة وغير المتوقّعة أحيانًا، وما لهذا العامل من انعكاس وأثر فعّال وواضح في تعديل وتشذيب الكثير مما علق من تشوّهات في نظرتنا وأفكارنا وعلاقاتنا وأحكامنا نحو الآخر من ناحية، ونحو الكثير الكثير من مفاهيم الحقوق والواجبات والممارسات والسلوكات والشعارات التي نجحنا في رفعها وفشلنا في تطبيقها، وما لهذا العامل أيضًا من دور هام في كسر حواجز العزلة الاغترابية إذا أحسنّا التعامل معه بدراية وشجاعة، وبادرنا إلى خوض فاعليات التثاقف وحوار وتبادل المكتسبات والتفاعل التام مع قضايا الوطن الجديد والانخراط في جمعياته ومنظّماته المدنية ومؤسساته البلدية والبرلمانية، ونشاطاته الثقافية العامة، لأن هذا العامل يشكّل حصنًا منيعًا للمهاجر يساعده على خلق “وطن الغربة” في ظلّ دولة عادلة، ويحميه من انتكاسة الشعور بالاغتراب ومن السقوط في كابوس الغربتين في وطنه وفي المهجر، ويفتح أمامه آفاقًا رحبة لممارسة مهاراته وكفاءاته وتأكيد حضوره على مختلف الصعد التي تمنحها له القوانين، وتنقذه بالتالي من مغبّة الوقوع في النار فيما كان يحاول الفرار من الرمضاء.        وقد اخترت كندا أنموذجًا في هذا المجال لأسباب عدّة أهمّها:

أولًا: أن انتقال اللبناني إلى أي بلد عربي بقصد العمل أو غيره، قد لا يشكّل تحدّيًا ومواجهة نفسية وثقافية واجتماعية وحتى سياسية، مع بيئة وظروف متباينة أو متناقضة، لأنه يشعر وكأنه لا يزال يعيش في مناخ ثقافي متشابه، وبإحساس دائم بقربه من وطنه وبالعودة إليه في غد قريب ما دام لا يحمل أملًا ولو ضئيلًا، في اكتساب الجنسية أو حتى الإقامة الدائمة أو التمتّع بحقوق المواطنية.

ثانيًا: نظرًا لما تتمتّع به هذه البلاد من مزايا التقدّم والرقيّ والعدل والحقوق والفرص، جعل منها مقصدًا جاذبًا للمهاجرين، ولما تجمعه في أرضها من تنوّعات ثقافية عالمية جعلت منها بحق قرية أممية خصبة وزاخرة بكل الأعراق والأجناس والألوان. ولما حقّته من نجاح، بفضل أنظمتها وقوانينها ومبادراتها، في مجال التعايش الإيجابي بين مكوّناتها وأقلّياتها العرقية والثقافية، والانفتاح البنّاء الذي رعته ورسّخته بين عناصر مجتمعها المشكّل أساسًا من المهاجرين. على الرغم من بعض الشوائب التي تعتري مثل هذه الأنظمة الرأسمالية.

ولا بدّ من الإشارة إلى أنه على ضوء التعديل الذي أقرّه القائمون على المؤتمر والذي طال عنوانه الأساس، فقد اضطررت إلى تعديل بعض الجوانب في فصول البحث ودمجت بعضها بآخر كي أبقى منسجمًا وملتزمًا بموضوع المؤتمر.

ولا يسعني ختامًا إلّا أن أوجّه تحية تقدير وشكر للمنتدى الثقافي الأسترالي، وراعيته الصديقة الدكتورة أميرة عيسى وفريق إدارته، لهذه المبادرة البحثية الهامّة والمطلوبة، وإلى جميع الزملاء الباحثين الذين يغنون بمشاركاتهم هذه القضية، التي أعتبرها من أخطر ما يهدّد مستقبل أوطاننا العربية بسبب تفريغها المتمادي من أغلى وأعزّ ثرواتها، كما أعتبرها في مقدّمة التحدّيات التي يتعرّض لها المهاجرون إلى بلاد غريبة.

 

 

 

 

Read more