نخاسة العصر...بيان اعتراف

د. علي منير حرب

كندا في 28/06/2019

يا أبناءنا…يا أبناء العروبة،

سامحونا…سامحونا…سامحونا

ها نحن نجترّ هزائمنا وفشلنا وعجزنا للمرة الألف، بعد ليالينا التي أمضيناها سكارى على أنغام الخلاخيل في ساق شهرزاد والسرير الذهبي الذي يمارس عليه شهريار الفحشاء بشغف المعتوه. 

ها نحن نعلك لغتنا ونمضغها ونصفّيها لنتقيأها إدانةً واستنكارًا وشجبًا ورفضًا، كما في كل أشواك العار والجبن النابتة كقرون الأيائل فوق جبيننا.

ها نحن، يا أبناءنا، نكشف أمامكم عرينا وعوراتنا وفضائحنا وسقطاتنا، ونحن نتمرّى أمام نزف الدماء من أمهاتنا الفاتنات الطاهرات المقدّسات، اللواتي قدمناهنّ هدايا وجواري للطغاة وأولياء الأمور، من قدسنا الشريف إلى دمشق إلى بغداد إلى بيروت…

ها نحن، يا أبناءنا، نعترف أمامكم، بأننا جبناء وضعفاء ومكسورو الإرادة والكبرياء والعنفوان والرجولة.

ها نحن اليوم، نقف أمامكم بكل خزينا، لنريكم كيف نبيع شرفنا وأعراضنا وتاريخنا بالدولار في أسواق “نخاسة العصر” في البحرين(1)، كما بعنا أنبياءنا بالفضّة.

سامحونا يا أبناءنا، فنحن آباء الانكسارات والنكسات والانحطاطات وخطابات النواح والعويل.

لقد أغرقناكم في أكاذيبنا وأضاليلنا وخداعنا، بأننا قادرون على تحرير بلادكم ومستقبلكم وتاريخكم ولغتكم من استعمارات النار والجهل والزيف والرياء، فأسقطناكم معنا على طريق الهزيمة قبل أن تخوضوا أي معركة من معارك الحياة، وتركناكم تردّدون ثغاءاتنا البلهاء التي كنا نطلقها بفرح فيما كانوا يسوقوننا إلى مسرحيات المسالخ الدموية.

سامحونا يا أبناءنا،

لأننا طبّلنا آذانكم بانتصارات أبطال أجدادنا في الزمان القديم، وصنعناها قلائد تتدلى في أعناقكم، وقصائد نحشو  بها كتبكم، وأغنيات ننشد فيها غفوتكم ونهدهد بها أحلامكم، ونسينا في لحظة الزهو، أن نلقّنكم شرف هؤلاء الأبطال ورجولتهم وومضات سيوفهم.

سامحونا، لأننا علمناكم أبجدية الطاعة وأغفلنا عنكم أسرار الرفض والثورة والتمرّد.

سامحونا، لأننا علمناكم الكيمياء والفيزياء والرياضيات، وأخفينا عنكم، أن الزمان لا يمنحكم شرف الانتماء إليه بهذه الأسلحة الصدئة.

سامحونا لأننا أرضعناكم حليب الخيانة والعمالة وعادة تقبيل الأحذية، ولم نرضعكم حليب السباع والعزة.

سامحونا لأننا لا نصلح لصناعة الرجال وبارعون في صناعة الأقزام الذين يشبهوننا.

سامحونا لأننا علمناكم أن تعلّقوا مفاتيح العودة في الرقاب وليس على فوّهات البنادق.

سامحونا، لأننا طلبنا منكم أن تكدّسوا في حقائبكم، الكتب والدفاتر والأقلام والألوان، دون أن نذكر لكم يومًا، ان تحملوا معها الخناجر والسكاكين لنعلّمكم بها كيف نقرأ أبجديات الحرية، وكيف نكتب حروف الانتصارات، وكيف نصنع أناشيد الإباء. 

سامحونا، لأننا شتمنا أمامكم هولاكو وجنكيز خان وبلفور ونسينا أن نحذّركم من هولاكي العرب وجنكيزخاناتهم وبلفوراتهم، الذين لم يكتفوا بإسقاط بغداد وفلسطين، بل اغتصبوا كل عواصمنا العربية ورموا وجوهها بالنار والكبريت.

سامحونا يا أبناءنا، لأننا لعنّا إبليس القابع في كهوف مخفيّة، ونسينا أن ننبّهكم من الأبالسة الذين يجولون ويصولون في بيوتكم وشوارعكم وحاراتكم.

نرجوكم، لا تصدّقوا كلامنا ونصائحنا وقصائدنا المهزومة بعد اليوم.

لا تبنوا آمالكم وأحلامكم على سيوفنا الخشبية وخيولنا العرجاء المصابة بالجرب، فنحن أعجز من أن نصنع لكم زمنًا مضيئًا، لأننا مشلولون وعبيد نتقن حرفة الحلب والصرّ ونفتقد شجاعة المواجهة والكرّ.

لا تكرّروا طحن الهواء في طواحين آبائكم.

ثوروا…حطّموا مقاعد الذلّ في مدارسكم وجامعاتكم وحوّلوها إلى خنادق ومتاريس.

مزّقوا أوارقكم وكتبكم القديمة.

رشّوا حبر دواتكم في وجوهنا.

كسّروا أقلامكم واصنعوا من رؤوسها رماحًا وقنابل.

اخلعوا مراويل مدارسكم وتلفّعوا بالمرقّط من لون التراب والشجر والجبال.

أزيلونا من روزنامات أيامكم وادفعوا بنا إلى متاحف الديناصورات.

ارفضوا خزعبلات السلام ودجل حقوق الإنسان ونفاق الحريات المعسولة والمغّمسة بالخضوع والقهر.

اهدموا جدران القاعات المذهّبة فوق رؤوس المؤتمرين النيام من زعمائكم المتخمة بطونهم بموائد البيانات المفبركة والكاذبة. 

اخترعوا لغتكم وأفكاركم ومناهج تعليمكم التي تصنع منكم أحرارًا، علّنا نسترجع بكم بعضًا من كبريائنا ليشفع لنا عند تراب المقابر الذي يلفظ جثثنا المتعفّنة.

  • مؤتمر “فرصة العصر”، الذي عقد في المنامة، عاصمة البحرين، إنعقد يوم الثلاثاء في 25 حزيران 2019، طرحت فيه الولايات المتحدة ما عرف بـ”صفقة القرن” في إطار المساعي الأميركية لتسوية القضية الفلسطينية.
  • وتحاول الولايات المتحدة إقناع الطرف الفلسطيني والأطراف العربية الأخرى بجدوى الخطة، التي تطرحها، حيث تركز في مرحلة أولى على الجانب الاقتصادي الذي ستخصص له 50 مليار دولار، تساهم فيه دول الخليج، بالجزء الأكبر منه ينفق في الاستثمار بالأراضي الفلسطينية، والجزء الآخر بالبلدان المجاورة التي تستضيف لاجئين فلسطينيين كلبنان والأردن.