قصور استراتيجي يفضح هشاشة الأنظمة العربية
د. علي حرب
08/11/2020
يمكننا أن نتفهّم مواقف الشعب الأميركي أثناء الانتخابات، وتأييده أو رفضه لفوز الرئيس جو بايدن وهزيمة الرئيس دونالد ترامب.
كما أننا نتفهّم موقف الرئيس المكسيكي وموقف رئيس حكومة الكيان الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، بالتريّث في تهنئة الرئيس الفائز بايدن.
لكننا نقف حائرين مرتبكين أمام سيل الخطابات التي وجهها الزعماء والقادة العرب للمرشّح الفائز جو بايدن، وما أجمعت عليه هذه الخطابات في التركيز والتأكيد واستخدام المصطلحات السياسية والعسكرية، لاسيما منها “العلاقات الاسترتيجية التاريخية الراسخة والأهداف والمصالح المشتركة…”
لا أدري كيف يمكن لهؤلاء القادة أن يقنعوا العالم، قبل أن يقنعوا شعوبهم، بأنهم، كزعماء سياسيين وعسكريين لبلادهم، يدركون مفهوم “الاستراتيجية” التي يعوّلون عليها ويتبارون في إنشادها، وجميعهم يعرفون تمامًا أن “الاستراتيجية” في علاقاتهم مع أميركا أو مع سائر دول العالم، لم تقم يومًا، ولا تقوم أساسًا على مفهوم التخطيط الشامل ورسم البرامج المستقبلية وبعيدة المدى لضمان سيادة ومصالح ومصير بلادهم وسعادة شعوبهم، إنما على استمرارية دعمهم، سياسيًا وعسكريًا، لبقائهم على كراسي الحكم مقابل أثمان يدفعونها من حساب الدولة وحقوق الشعب.
هل للدول العربية فعلًا سياسات استراتيجية تجمعهم من المحيط إلى الخليج؟ هل تشكّل قضية فلسطين المغتصبة نقطة استراتيجية مفصلية في برامج هذه الدول؟ وهل نجد فعلًا سياسة استراتيجة موحّدة بين دول مجلس التعاون الخليجي؟ وهل نتلمّس أي موقف استراتيجي في اجتماعات وبيانات جامعة الدول العربية حول قضايا لبنان وسوريا واليمن والسودان والعراق وسدّ النهضة؟
ثم أين “المصالح التاريخية المشتركة”، وكل ما جرى من أحداث منذ النكبة الأولى في فلسطين، وحتى آخر النكبات التي ضربت العالم العربي قاطبة، يدلّ بما لا يقبل الشكّ أو التردّد بأن المصلحة المشتركة الوحيدة التي تحققت هي الإذعان لمصالح الدول الكبرى مع التكفّل بدفع تكاليفها من خزائننا؟
جميعهم يهنئون الرئيس بايدن بفوزه، وجميعهم يعلمون تمامًا، بمن فيهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أن الاستراتيجية الأميركية الواضحة كالشمس هي أن اسرائيل تعتبر الولاية الحادية والخمسين سواء بالنسبة للجمهوريين أو للديموقراطيين، مهما اختلفت جرعات الدعم والتأييد بين الحزبين. وبالرغم من كل ذلك فإننا نصرّ على التمسّك بمصطلح “العلاقات الاستراتيجية والمصالح التاريخية المشتركة”.
فهل من يتكرّم علينا بشرح ما غمض فهمه من تحديد مفاهيم “الاستراتيجية”، انطلاقًا من رسم خرائط “الشرق الأوسط الجديد” مرورًا “بصفقة العصر” وصولًا إلى مسلسل “التطبيع” و”ترسيم الحدود اللبنانية مع الكيان الاسرايلي” والصراع الناشب فجأة في إقليم قره باخ، وحرب إمدادات الغاز من روسيا وتركيا وأذربيجان واليونان ولبنان وكل أوروبا، حتى نتراجع عن توصيف “الهشاشة الاستراتيجية” في أنظمتنا العربية؟!…
وإذا كنا عاجزين حقًّا عن إقناع الآخرين بأحقيّة قضايانا المصيرية، ألا يمكننا مرّة واحدة في تاريخنا، أن نسجّل موقفًا متحفّظًا أو متريّثًا، من باب “أضعف الإيمان”؟ أو نعيد دراستنا لمعاني “الاستراتيجية”، لنبني عليها تهانينا ومباركاتنا؟