عندما يختلّ ميزان العدالة

د. علي منير حرب

13/12/2020

ألم يكن المحقّق العدلي القاضي فادي صوان على يقين بأنه سيفتح عليه أوكار الدبابير الحزبية والطائفية،

قبل أن يصدر قراره باستدعاء رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب والوزراء السابقين خليل وزعيتر وفنيانوس للتحقيق بتهمة الإهمال والتقصير؟

بالتأكيد كان يعلم ذلك، وهو ليس بعيدًا أبدًا عما يرفع في هذا البلد من خطوط حمراء كلما دقّ الكوز بجرة واحد من آلهة الحكم، فسادًا أو تقصيرًا.

أوَلم يكن القاضي صوان يدرك بحنكته وخبرته أنه سيكون عرضة لمثل هذه الاتهامات؟ بالتأكيد كان يدرك ذلك بعمق.

فقد ضجّت الأصوات، من كل حدب وصوب، رابطة قراره بأمر صدر إليه من قصر بعبدا، ومتهمة إياه بأنه تجاوز الدستور وبنى قراره تحت تأثيرات سياسية وكيدية بعيدة عن موجبات النزاهة والشمولية والعدل.

والخبر اليقين الذي لم تنقله جهينة حتى الآن هو أن القاضي صوان، وبهجمة استباقية لما يخطط له من استدعاءات ثقيلة قادمة، أراد أن يفجّر قنبلة دخانية قبل أن يقع في شرك السياسيين والحزبيين المنصوب في طريق التحقيق.

هو يعلم جيدًا وأكثر أن هناك الكثيرين، من أصحاب المناصب والألقاب، يشاركون الرئيس دياب والوزراء المعنيين بتهم التقصير والإهمال وربما أبعد من ذلك، ولا يفوته هذا السرّ أبدًا، فكما بنى قراره باستدعاء دياب وآخرين على وثائق ثابتة بمعرفتهم بموضوع تخزين النيترات، سوف يبني قراره على فرط مسبحة الاستدعاءات التالية، للرؤوس الكبيرة والصغيرة، إبتداء من رأس الدرج الذي يصرّ على عدم تدخله في مسار التحقيق لكنه لم ينف أنه يشترك مع دياب والآخرين في الاطلاع على موضوع التخزين وخطورته من قبل أمن الدولة، ما يعني مشاركتهم بتهم التقصير والإهمال، أقلّه منذ تموز الذي سبق الانفجار، (كأنه لم يكن مسؤولًا عن مصير الوطن وأرواح العباد قبل هذا التاريخ!)، واكتفى بإعلام المجلس الأعلى للدفاع، على غير عادته في التحرّك المعطّل أو المُلغي الفوري لما هو أقلّ خطورة بكثير من التخزين الكارثي بذريعة ممارسة صلاحياته الدستورية، والسلسلة طويلة هنا تبدأ في تعطيل قرارات مجلس القضاء الأعلى وتعطيل تشكيل الحكومات التي تخالف مصالحه وغاياته ولا تنتهي في تعيين مدير المخابرات وجواب مجلس النواب بشأن التحقيق الجنائي.

القاضي صوان، قد يكون أحد أبرز المؤتمنين على تحقيق العدالة وإعادة نصابها إلى وطن بات كل شيء فيه لقمة سائغة بين أيدي السياسيين والطائفيين، ولن يقع، لا سمح الله، في الأفخاخ المدفونة تحت أقدامه، والمقبل القريب من الأيام سيظهر أن لبنان أمام مصير حاسم: إما قضاء عادل نزيه وحاسم ومستقلّ، كما يفعل القاضي صوان وكثيرون من أمثاله رافعي قبضة العدالة فوق كل التحديات والمواجهات، وإمّا تنحٍّ واستقالات قضائية جماعية، وعندها السلام على آخر حصن من حصون لبنان.