تثاقف سيلين: لَقاح مضاد للعزلة

د. علي حرب

ما دُمنا نعيش زمن الجائحة واللقاحات المنتظرة لمكافحتها.

وما دُمنا نعاني آلام الغربة وفراق الوطن والأحبّة.

فهاكُمُ اللقاح الناجع، المتيمّن باسم “البنيسلين”، والمعروف علميًا باسم “تثاقف – سيلين”.

الوباء يفرض علينا الحجر والتباعد، والغربة تشعل فينا مواقد الحنين إلى مرابعنا الأولى.

كابوس الأوبئة والكوارث الطبيعية ليس جديدًا على أرضنا، وظاهرة الهجرة والاغتراب عن الأوطان ليست طارئة على الكائنات الحيّة، كما أن التنوّع هو سنّة من سنن الطبيعة ومكوّن عضوي من مكوّناتها.

وعلى خطى العلماء في ابتكار اللقاح الواقي من “الكورونا”، وإنقاذ البشرية من ويلاتها، فإنني على يقين تام أن لقاح “تثاقف – سيلين” كفيل أن يجدّد فينا جينات حبّنا للحياة وعيشها بأمان.

هذا اللقاح الإنساني المتاح بالمجان أثبت فعاليته الفائقة في تنشيط أجهزة المناعة العضوية والنفسية والعقلية لدى الإنسان، وكسر حواجز الحجر وفكّ طوق العزلة والتغلّب على مخلّفاتهما وتأثيراتهما القاتلة.

جميعنا محاصرون بالوباء، وجميعنا مصابون بداء الاغتراب، وجميعنا تحت وطأة القلق والاكتئاب.

وحدهما، التثاقف والتفاعل الثقافي الإيجابي، قادران على شفائنا وحملنا إلى زمن أكثر غنىً وسلامًا.

لقاح “تثاقف – سيلين” ضامن لخروجك من عزلتك وانفتاحك على الآخر، وقادر على انتشالك من وادي التطرّف والتزمّت ليصعد بك إلى آفاق الاعتدال الكامنة في نسيج التنوّع الخلاّق، ومستعدّ أن ينقلك من عالم ذاتك الصغير إلى عالم الجواهر المكنونة عند الآخرين.

وحده هذا اللقاح الفكري الإنساني يمسح عنك جراح البعد عن موئلك ليساعدك في خلق الوطن الحلم في غربتك، قد لا يكون الوطن الفاضل، ولكنه بالتأكيد وطن أفضل من الذي أرغمتك دولته على هجره بعد أن سلبتك حقوقك في العيش الكريم.

وحده هذا اللقاح، المتوفّر في تجاربك ومهاراتك والمؤونة التي جمعتها في سنوات عمرك، لا يتطلّب منك أي تكاليف، إنه ينتظر بإلحاح على باب مبادرتك، ليحملك إلى عالم النور والألوان المختلفة.

لا تبقَ بين فكّي غربتين، غربة الروح عن وطنك وغربة العزلة عن مجتمعك الجديد.

ادخلْ إلى عالم الآخرين واكتشفْ مناجم ذهبٍ لم تسمع عنها سابقًا.

نوّعْ في معارفك وخبراتك كما تنوّع في طعامك وشرابك.

لا تعشْ داخل سجن أحكامك المسبقة، فكما أنك ضنين بمزايا هُوياتك وقيمك، فإن للآخر الكثير الكثير من المزايا ومن حقّه أن يعتزّ بها ويفاخر.

تقرّبْ منه وتبادلْ معه اللغة والتراث والقيم وأضفْها إلى رصيدك المعرفي.

اندمجْ وانخرطْ في حياة وطنك الجديد، شريطة ألّا تذوب وتضمحل، وارتشفْ كل الحقوق التي منحها لك، وتفاعلْ مع مؤسساته الاجتماعية والثقافية والسياسية، وعشْ بكل جرأة وسعادة حياة العدل والحق والواجب والنظام.

بادرْ إلى المشاركة في مختلف فعاليات الجاليات الأخرى وانهلْ مزيدًا من المتعة من ينابيع التعدّدية والتبادل الحضاري.

لا تكتفِ بإطلاق آهات الحنين والشوق إلى أهلك ووطنك، فآهات الحنين لا تغني ولا تشبع، أرفقْها بنقل تجربتك إليهم وشاركْهم ثروتك الثقافية التي جمعتها في غربتك، لا لتغريهم بالاقتداء بك في الهجرة إنما للاقتداء بما اكتسبته في وطنك الجديد.

عشْ تجربة التنوّع والتثاقف بكل جدارة فهي لقاحك وجواز سفرك للدخول سعيدًا إلى الحياة.

اخرجْ من إطار ذاتيتك، فالمياه الراكدة آسنة وكريهة، فلا تغادرْ دنياك كما أتيتها عاريًا بجلدك.

لقاح “تثاقف – سيلين”، آمن ومضمون وصالح لكل الأجيال والأجناس، موجود عند إرادتك ولا يحتاج إلى وصفة طبية، فسارع إلى التحصّن به لحمايتك من العزلة.

“إذا كان أصلي من تراب فكلّها                 بلادي وكلّ العالمين أقاربي”