دانتيلّا الأحلام

“دانتيلا” الأميرة المرصودة

 تقديم ديوان “دانتيلا الأحلام”

للشاعرة الدكتورة أميرة عيسى – أستراليا

د. علي منير حرب

كندا في 15/01/2021              

أنفضْ عن كاهليكَ غبارَ الزمان، وطهّر قلبكَ، وأسدلْ الرمشين ستارًا فوق عينيكَ، وأدخل صومعة “الدانتيلا”، لتتلوَ بأمان ترانيم الأميرة المرصودة للعشق وللأحلام.

“في يدي صولجانُ العِشقِ
وعلى رأسي تاجُ الشوقِ
فأنا الأميرة
في ديوان المَلِك…”

 

لا همّ عندك إنْ كان معشوقك إلهًا أو نبيًّا أو وطنًا أو حبيبًا، ما دامت صلاتك تشقُ الجوارح لتسمو وتسكن آفاقًا من غير مادة اللحظة الراكضة لتفرّ من بين يديك.

“وطني…أمي…وأنتَ
إشتقتُكَ
في ليلٍ باردٍ
يُقلقُ منامي”

لستَ بحاجة إلى الشطور والقوافي والأوزان، فلهذا مقام آخر في النشيد.

ما عليك إلاّ أن تتحمّم بعطور منثورة على هواها، نابعةٍ من قوارير القلوب المعبّأة بالحب والأحلام.

سخيّة هي هذه الصلوات في المحراب، تتهادى على شفاه المصلّين من غير عمد، عفوية سلسالة بين شجر وبعض حصى، من غير أن تخدش سمعًا أو ترهقه.

“قبلاتُكَ…
خمرةُ المسيحِ ترشفُها الملائكة
حضنُكَ…
جرنُ المعابدِ المقدّس…
أتعمّدُ…
وأعرجُ إلى عليين…”

 

حين وقع والدنا العتيق في المعصية الكبرى، لم يكن مسحورًا ببهاء الكلام، كان مفتونًا حتى النخاع، فأغوته همسة مراوغة عذبة تاهت ما بين التفاحة وشفتي حواء، وكان الزلزال الأبدي الذي لا زلنا نعيش ارتداداته، عشقًا وهيامًا وأحلامًا، غير عابئين بما فقدناه من نعيم بلا نشوة الغواية.

وهذا ما سوف يرافقك وأنت تغرق في صلاتك “الأميرية” حتى آخر ما ترسّب في “فنجان الأميرة”.

“الكلُّ ذابَ
الكلُّ اختفى
وبقي في القعر
كلماتٌ
في فنجانٍ”

إنه ديوان “العشق” في كل مذاهبه وأغراضه وفنونه ومغامراته الجريئة.

في عالم “الدانتيلا” ستكون قريبًا جدًا من الله المحبة، مسافرًا على مركبة “بلقيس”، مطفِئًا لظى قلبِك “بشهد الرضاب” عند “عمر الخيّام”، مرتقيًا مع “أبي الطيّب المتنبي”، باحثًا مع “ناظم الغزالي” عن هدية تليق بحبيبة امتلكت كل عطايا الجمال، مناديًا حبيبًا غائبًا مع “أطلال” “أمّ كلثوم”، متطايرًا مع أجنحة “جبران خليل جبران”، متهلّلًا مع شهقات “نزار قباني”، من غير أن تفتقد رباطك مع “التوراة والإنجيل والقرآن”، ذلك الرباط  الموثوق الذي منه تشكّلت هوية الأميرة، ومن جنائن خيراته قطفتْ أجمل ما تخمّر في خوابي القراءات وأشهى ما لعاشق أن يتذوّق من مَنّ السماء.

“أبي مسلم وأمي مسيحيّة
وكلّي على بعضي
قد أكونُ يهوديّة
أو لنقلْ بوذيّة”

صومعة “الدانتيلا”، يُفضي بهوها الرحب إلى قاعات ثلاث، “دانتيلا الأحلام” و”جروح يا وطني” و”حواريات الصباح”، وفي كل منها بخور عشق يحترق ويترك عبقه لهفة على حلم وُئد طفلًا، أو ندوبًا لعذابات وطن منكوب، أو مدينة عروس مغتصبة على الصليب، ترفع طرحة عرسها المُدماة باحثة عن بقايا أشلاء من أهلها وأطفالها قذف بهم المغتصبون في فم الأتون، أو عن رجع رنين لمفايتح الديار والبيّارات، التي لا زالت متشبّثة بخيوطها الملوّنة، يفوح من صدئها مسك الجنة وعنبرها، محدّقة بعيونها الواسعة نحو مدينة الله التي اكتسحتها جحافل الغزاة، أو عن عاشقة تلبّست ريش عصفورة الحكايات السرية وتمدّدت أجنحتها لتتعلق بأذيال غيمة سارحة قد تأخذها إلى دنيا من الأحلام المتجدّدة التي لا تنطفئ إلا بانطفاء الروح في أجسادنا.

“نهاجرُ
ويبقى ترابُ الأرض
معلقًا في مآقينا
الوطنُ الثاني!
كذبةٌ كبيرة
ارواحُنا…لها وطنٌ واحد “
………
“وأنتَ يا وطني
اليومَ عُلّقتَ على خَشبة
ألبسوكَ إكليلاً من أشواكٍ
غُرزت في جبهتكَ النديةّ”

……….

“إمرحْ في شوارعِ بيروت
دمّرْ دمّرْ دمّرْ
أعدْ الشهيدَ إلى أمّها

التقطْ الأطرافَ
إلصقها بالجسد
على قتلِ بيروتَ
أنتَ عاجزْ عاجزْ عاجزْ”

……….

“مفاتيحُ
ترشحُ زيتًا مقدّسًا
وعبقًا من أكاليل الغار
تهزأ بتمتمةٍ
على حائطِ مبكى العار”

ولا تنسى الأميرة العاشقة الحالمة أن تذكّركم بتجلّي الحبيب في لقياها “قرّادة زجلية جبلية، هي من بنات الضيعة اللبنانية ومن موائد فنونها العامرة بالجزالة الطربية العذبة.”
“كلكْ رقّة وحنيّة
وصوتك نغمة سحريّة
طاير فيكي صاير جِنّ
شفافي لشفافك بتحنّ
خمرة مخباية بالدّن
ولو قطرة بتوقع عالأرض
بتعمل هزة ارضيه!”

كلّما غمركم الحنين إلى وجه الله الفيّاض بالمحبة، وكلّما استبدّ بكم حريق العشق، وكلّما تاقت نفوسكم إلى حلم أفلَ مع غَسق وآب مع شَفق، وكلّما لسعتكم سياط الغربة واشتقتم إلى وطن الروح الذي لا يفارق وإلى شميم خبزه وتنّوره وحكايات الجدّات على المصاطب، وزهوة الجرار على أكتاف الصبايا المتمايلات إلى موعد حلم على طريق العين، أدخلوا آمنين إلى محراب “الدانتيلا” وأحرقوا بخور الصلوات وإهتفوا مع الأميرة لإيقاظ الأحلام.

المصطبةُ وما يصفون
والحبقُ والزيزفون
وعيونُ جدّي
وأيادي جدّتي
ورائحةُ أبي
والتينُ والزيتون
والسّهرُ والحكايا
وعيونُ الصّبايا
ونظراتُ الشباب
مكتومةُ النِداء
……….

إبقِ الحُلمَ هاربًا
ولا تسعَ إلى ضمّه
فاذا الحُلمُ تحقّقَ
تسربلَ بهمّه…”

 

وهل نحن إلّا بعض حلمٍ أو بعض وهمٍ أو بعض حقيقة؟!…

مبارك هو توأمك الثالث حيث بقي حبل سرّته موصولًا بأخويه.