"صدى الديوان"
ديوان العرب...لماذ؟
سؤال قذ يطرحه كثيرون كما طرحتُه على نفسي، فيما كنت مستغرقًا في البحث عن بَيدَر مشرف واسع أجمع على أرضه غلال عمرٍ جاوز الخمس والسبعين سنين، وأكثر من خمسين انشغالًا وإنتاجًا ومعاركة مع هاجس الثقافة، الذي كوّن لدي همًّا ساكَنَ أيامي، وطغى على كل أغراضي وفنوني الأدبية، كما على مواقفي وآرائي في الحياة والناس.
شئته كتابًا موسوعيًا جامعًا شاملًا لمختلف أصناف الحصاد التي تراكمت على صدور الليالي والنهارات، وقادرًا على التكاثر يومًا بعد يوم، لأنني اكتشفت وأيقنت أن أي كتاب في أي موضوع يعرضه المؤلف، إنما هو مشروع محفّز لكتاب آخر، تولّدت بذوره وبراعمه بين ثنايا الأفكار المعروضة، ونبّهتِ الكاتب لحضورها الدائم في خفايا الذاكرة.
وأردته “كَرْمًا على درب”، تتدلى عناقيده للملأ، لا يمنع عن أحد قطافَه، غير محجوب أو مرهون لشروط النشر والتوزيع ورفوف المعارض التقليدية، وما بات يشوب ذلك كله من وسائل وغايات أبعدت أكثرها عن نبل الثقافة وأخلاقها.
وعزمت فيه أن أخوض الإبحار، ولو متأخرًا، في عصر التقنيّات المتقدّمة، وأتيحَ لمحاصيلي الفكرية أن تعبر الفضاءات والمسافات، وتتلاقى وتتلاقح وتتنامى مع ما يصول ويجول في آفاق الدنيا دونما حدود أو سدود.
هو حقلٌ مختلُف حصاده وألوانه ومذاقه، لا يدّعي أنه يعرض كل شيء، لكنه يضمّ بعضًا من كل شيء،
فيه الجمّ المنوّع من الثقافة المتشوّقة لتكون شمسًا مشرقة على العالم تضخّ فيه حياةً ومعرفةً وسلامًا وحضارة.
كما فيه ما قد يكون مؤلمًا مما جرّحتنا به السياسة والسياسيون، والمنادون بالكراهية بين الحضارات، والمنذرون بنهاية التاريخ، والمبشّرون بما بعد الإنسانية، والداعون لسقوط القيم، والقارعون لطبول الحروب والصراعات بين الشعوب والأمم.
فيه بعض من شعر وأدب أردتهما فاكهة جمالية على مائدة التحادث والمناقشة.
فيه حوارات اللقاءات والندوات التي تشعّبت وعرضت مختلف القضايا الثقافية والسياسية والأدبية وجمعت على منابرها نخبة من أهل الفكر والقلم.
وفيه بعض من بحوث معمّقة تناولت أبرز ما يواجه حاضرنا والمستقبل.
وفيه مجمل ما ساعدني به الإلهام والعشق لعالم الطفولة والتربية والتوعية، وتبلور في برامج ومسلسلات تلفزيونية وإذاعية وكتابات مسرحية.
وفيه ما وسعت أناملي لتطريز ما يليق من مقدّمات لكتب الأصدقاء الذين أبدعوا بحثًا وأدبًا وشعرًا.
وفيه محطات عزيزة في سفر امتدّ شرقًا وغربًا، وتأطّرت في صور ولقطات تحفظها للذكرى مع رفاق الرحلة والأحداث.
وفيه الكثير مما اعتزّ به وافخر مما مُنح لي من تكريم وتقدير.
إنه يحتضنني ويضمّني بأبعادي المترامية بكل رحابة وانفتاح، بما قد لا تطيقه دفتا كتاب واحد ولا عدة كتب متفرقة.
إنه حِمْلُ العمر ألقيته ليتمدّد مرتاحًا على صفحات هذا الديوان.
وللضيف القاصد أن يرتاح في الركن الذي يستهويه ويهفو إليه، فيقتطف منه ما يحلو ويغضّ الطرف عمّا لا يوافق طبعه أو وجهة نظره، وحسبي في هذا كله، أنني أغرّد طليقًا متحرّرًا إلّا من إيمان قاطع بأن الثقافة رسالة وأخلاق، وأن “ديوان العرب” هو الواحة التي يأوي إليها المتعبون من حمّارة القيظ في صحاري التيه.
***************
"قال الحكماء"
خيرٌ لك
– خيرٌ لك أن تكون صغيرًا بين الكبار،
من أن تكون كبيرًا بين الصغار.
د. علي منير حرب
– ثائر اليوم هو طاغية الغد.
إننا ندرك أنه ما من أحد يمسك بزمام السلطة وفي نيّته التخلّي عنها.
وإذا أردت تصوّر المستقبل، تخيّل حذاء يدهس وجهًا بشريًّا.
جورج أورويل